للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرادِهم.

وأمَّا صيغةُ الأمرِ: فإنَّه إنَّما لم يُرِدْ بها الطَّلبَ والمنعَ والاستدعاءَ والتهديدَ، لأنّه مستحيلٌ اجتماعُ إرادتي الفعلِ والتركِ لأمرٍ واحدٍ في حالٍ واحد، ولهذا لو صرَّحَ بذلكَ لم يحسُنْ، فيقول: أريدُ بقولي اسجُدْ: السجودَ والانتصابَ، وها هنا يحسُن أن يقول: أريد بالقرءِ: الحيضَ والطهرَ، على ما قدَّمنا (١).

على أنَّه يبطلُ على أصلِ المخالِفِ بالماءِ المذكورِ في آيةِ التيممِ (٢)، فإنه أريدَ به عندَه (٣): الماءُ والنبيذُ، وهو حقيقةٌ في أَحدِهما دونَ الآخرِ، وأمَّا التعظيمُ والتهوينُ، فإنَّما لم يجز أن يُرادا (٤) بالصيغة الواحدة؛ لأنَّهما ضدَّان، ولا يصحُّ اجتماعُ إرادتِهما باللَّفظِ الواحد، ولا بلفظين في حقِّ شخصَ واحد في حالةٍ واحدة، ولهذا لو صَرَّح، فقالَ: أبعدوا هذا الشخصَ عن ذلكَ المقامِ، إهانةً له إكراماً، لم يجزْ، ولو قال ها هنا: تطهَّر من اللَّمسِ باليدِ، ومن الجماع، واعْتَدِّي بالأقراء والحيض، وكمِّلي ثلاثاً من كلِّ واحد منهما، جازَ، فبانَ الفرقُ بينهما.

وأما منعُهم ورودَ ذلك في الاستعمالِ، فلا نسلِّمُه، بل قد ورد: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]، والمرادُ به: اللمسُ باليدِ حقيقةً، والجماعُ استعارةً في إيجابِ التيمُّم عندَ عدمِ الماءِ، وإذا صحَّ ذلكَ


(١) في الصفحة: (٦٦).
(٢) يعني قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا ...} [النساء: ٤٣].
(٣) أي: عند المخالف، وهم الحنفية. انظر "التبصرة" (١٨٥).
(٤) في الأصل: "يراد".

<<  <  ج: ص:  >  >>