للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القيامة: ١٦ - ١٧] ولهذا شرطَ ذلكَ في جميع القرآنِ، وذاك إنَّما هو الإعلانُ والإظهارُ، فأمَّا بيانُ المجملِ والمغلق (١)، فذاكَ في بعضِه.

قيل: البيانُ: إخراجُ الشيءِ من حيِّز الخفاءِ إلى حيزِ التجلي والظهورِ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من البيانِ لسحراً" (٢)، ووكل البيان إليه، فقال. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: ٤٤]، فثبتَ أنَّ البيان ما ذكرنا.

فإنْ قيل: ما الذي (٣) يُصحِّحُ أنَّ البيانَ الذي ضَمِنَه، وقالَ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩]: [ليس] هو الحفظَ له، والإعلان بالنُّصرةِ الموجبةِ لإظهارهِ، بعد أنْ [كان] يُتْلى في البيوتِ، ووراءَ الجدرانِ خوفاً من قريش؟

قيل: ليسَ بين قولِه: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: ٤٤] وبينَ قولِه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] تنافٍ حتى يُحملَ البيانُ على معنيين، فإنَّ قوله: {لتبيِّنَ} إضافةُ البيانِ إليه تبليغاً وإعلاماً، وقولَه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} هو إضافةُ الإمدادِ بإلهامِ اللهِ لهُ التأويلاتِ، والإلقاءِ في رُوعهِ معاني التلاواتِ، ألا ترى إلى قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: ٦]، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]؟ والحفظُ المضافُ إلى اللهِ سبحانَه إنَّما هو أحدُ أمرين: إمَّا إثباتُ القرآن في قلبهِ، بحيثُ لا يتطرقُ إليه ذهابُه عن قلبهِ بنسيانٍ، ولا ذهولٍ.


(١) في الأصل: "المعلن".
(٢) تقدم تخريجه ١/ ١٨٥.
(٣) في الأصل: "فالذي".

<<  <  ج: ص:  >  >>