للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجوابِ، إلى أن نزلَ البيانُ بقولهِ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (١) [الأنبياء: ١٠١] فهذا بيانٌ تأخَّر عن خطابٍ.

فإن قيل: هذا ليسَ مِمَّا نحنُ فيه بشيءٍ، ولا حجةَ فيه؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه قد أدرجَ (٢) فيه دفعَ ما تعلَّقوا به، فإنَّه قال: (ما)، و (ما) لما لا يعقلُ، وعيسى والملائكةُ وعُزيرٌ يَعقِلون، ولم يقل: إنكم ومن.

الثاني: أنَّه قد بانَ أنَّهم اعتقدوا المناقضةَ، فقد كانت الحاجةُ داعيةً إلى بيانٍ يُزيل عنهم شبهةَ المناقضةِ، وليسَ حاجةُ المكلَّفين إلى العملِ (٣) بالأمر المُجْمَلِ والعامِّ، بأوفى من حاجتهم إلى اعتقادِ اتفاقِ الآي وملاءَمَتِه، وتصديقِ بعضِه لبعضٍ، ونفي المناقضةِ عنه، وقد اتفقنا جميعاً على أنَّ تأَخُّرَ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ لا يجوزُ، فلم يبقَ إلا أنَّ اللهَ سبحانَه قد بَيَّنَ في الآيةِ ما مَنعَ إيرادَ هذه الشبهةِ، وليس إلا قوِلهُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: ٩٨]، ولم يقل: ومَنْ تَعْبُدون.

قيل: لَوْ كان الأمْرُ كذلك، لاحتجَّ البارىء به، ووبَّخهم على اعتقادِ (٤) المناقضةِ فيما لا يُوجبُها، فلمّا عَدَل إلى قول يُوجِبُ التَّخصِيصَ، علم أنَّه لم يعتمدَ على مقتضى (ما)؛ ولأنَّهُ قد قال سبحانه: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥]، وأراد به: ومَنْ بَناها.


(١) تقدم تخريجه ٣/ ٣١٥.
(٢) في الأصل: "درج".
(٣) في الأصل: "الأعمال".
(٤) في الأصل: "اعتماد".

<<  <  ج: ص:  >  >>