للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكروه.

ومنها: أن قالوا: لو جازَ تأخيرُ البيانِ يوماً، لجاز تأخيرُه سنةً وأكثرَ، وذلك يُخْرِجُهُ عن كونه متعلِّقاً بالأولِ، فإنه ليس لنا في كلام العرب كلامٌ منعطفٌ على الأول بعد زمانٍ طويلٍ، بل يصيرُ الأول بطول المدة كالمهملِ، لأنه كلامٌ لم يتحققِ العملُ به، بل يقعُ منتظراً به ما بعدَهُ، والمنتظرُ لم تتحصَّلْ فائدتُه.

فيقال: انتظارُ بيانه لا يعطِّل عن تَعبُّدٍ مقصودٍ مثله، وفيه مصلحةٌ معجَّلةٌ، و [هي] اعتقادُ ما تضمَّنهُ، وتوطينُ النفس على العمل بما يُفَسَرُ به مجملُهُ، ويخص به عمومُه، ومثلُ هذا لا يكونُ من جملةِ المهمل، وإذا جازَ أن تقَعَ التعبدُ متفرِّقاً ومتتابعاً، كالإحرامِ يقعُ في شوال، وتقع أفعالُهُ في شهورٍ، وبعضُ أفعاله بعدَ شهورٍ، وبينَ فعل وفِعْلٍ، ونُسُكٍ ونسُكٍ أيامٌ عدةٌ، وصومِ التمتع ثلاثة أيامٍ في الحج، وسبعة إذا رجِع، ويكونُ عزمُه في رجوعه تعبداً (١) إلى حين رجوعه، جاز أن يكون ما بينَ الاعتقادِ والفعلِ الواقع بالبيان المستقبل مدةً موصولة بالفعلِ؛ بما تلاها من الاعتقادِ والعزَمِ وتوطينِ النفسِ، وقد فرَّقَ بينَ المدةِ الطويلة والقصيرةِ قومٌ، وليس بشيءٍ عندنا.

ومنها: أن قالوا: لا يخلو أن يكونَ أرادَ باللفظِ العامِّ اعتقادَنا العمومَ، أو الاعتقادَ والعزمَ، أو التنفيذَ، أو هما جميعاً والتنفيذَ: لا يجوز أن يكون أراد منا الاعتقادَ للعمومِ وهو يريدُ الخصوصَ، لأنَّ هذا يفضي إلى أن يريدَ ضِدَّ ما أراده منا بالخطاب، ولا يجوزُ أن يكونَ أرادَ الاعتقادَ والعزمَ دونَ التنفيذِ، لأنَّ التنفيذَ هوَ المأمورُ به،


(١) في الأصل: "بعيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>