للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحزاب: ٢١]، وهذا زجرٌ في طَيِّه (١) أمرٌ؛ لأنه يعطي: [أَنه] إنّما يتأسَّى به من كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخر، ومن لم يتأسَّ به، فلا يؤمِنُ بالله ولا باليومِ الآخِر، والأمرُ المطلقُ يدل على الوجوبِ بما قدمنا.

فإن قيل: الاتباعُ المأمورُ به هو مشروطٌ بأنْ يعلمَ المكلَّفُ على أيِّ وجه فَعَلَه ليصحَّ الاتباعُ له، وأعمال القُرَبِ والعباداتِ ليست صوراً، بل المعوَّل فيها على المقاصدِ والنياتِ، فإذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصلي، ونحنُ لا نعلمُ هل يتنفلُ أو يفترضُ؟ أو وجدناه يتصدَّقُ، فلم نعلم يكفِّرُ عن حِنْثٍ، أو يزكِّي عن نصابٍ؟ أو وجدناه جالساً في المسجدِ، فلم نعلم أمعتكف هو، أو جالس لشأن له يخصه؟ لم يكن فعلنا كما فعل؛ لأنَّنا إنْ فعلنا ذلك صورةً مع انعدام النية والقصد المعيِّن للفعل بنفلٍ أو فرضٍ، لم نكن متعبِّدين حَسَب تعبُّده، ولا عالمين بحصول شرطِ اتباعه، فلا يكشف ذلك ويُبيِّنُه إلا قولُه - صلى الله عليه وسلم - وإعلامُه، كما نحر بُدْنَهُ يَوم عُمْرة القَضِيّهِ اتباعاً لأمرِ الله (٢)؛ حيث أمره أن ينحرها حيثُ حصر، وحيث بلغ، لَمَّا كان الهديُ معكوفاً أن يبلغ مَحِلَّه، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (٣)، وقولُه للسائل عن الصلاة: "صلِّ معنا" (٤)، وقوله: "خذوا عني مناسككم" (٥).

فيقال: إنَّ الاتباعَ في الصورةِ كاف بنية المتابعةِ، فإذا اعتقدَ


(١) في الأصل: "طي".
(٢) تقدم في الصفحة:٢٨.
(٣) تقدم تخريجه ٢/ ١٧٤.
(٤) تقدم تخريجه ١/ ١٩٤.
(٥) تقدم تخريجه ١/ ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>