للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكلَّفُ وجوبَه، فهذا تغريرٌ بالأديانِ.

فيقال: إن الاحتياطَ واجبٌ بفعلِ ما ليسَ بواجبٍ خوفاً أنْ يكونَ واجباً، ولهذا نتحقَّقُ أنَّ أربعَ صلوات ليست (١) واجبة، ونصليها خوفاً أنْ يكونَ فيها واجب، ولا نَتحقَّقُ أن يومَ الثلاثينَ من رمضان مع حصولِ الغَيْم في ليلتِه، ونوجب صومَه عن رمضان.

ولا يضرُّنا اعتقادُ وجوبِ اتِّباعه - صلى الله عليه وسلم - ان جازَ أنْ يكونَ في ذلكَ الفعلِ متنفلاً، كما لا يضرُّنا فعلُ العبادةِ مع الغيبةِ عن مكانِه - صلى الله عليه وسلم - وما يقاربه واعتقاد بقاءِ وجوبها، وأنَّ الصلاةَ الفائتةَ في الخمس، واليومَ يجوزُ أنْ يكونَ من رمضان، فنفعلُ ونعتقدُ الأكثرَ، ليحصُل التَحَقُّقُ.

كذلكَ إذا فعلناه على أنَّه واجب دخلَ فيه الندبُ، فإذا فعلناه على وجهِ النَّدب، واعتقدناه ندباً، لم يدخل فيه الواجبُ، ولا يحصلُ اعتقادُ الوَجوبِ، فوجبَ أنْ نأتيَ بالأعلى ليتحققَ الأَدْنى، كما وجبَ فعل الأكثر واعتقادُه، ليتحقق ما في طيِّه من الأقلِّ، مع تجويزنا النسخَ المخرِجَ لها عن كونها واجبة، على أنَّه ليس باحتياطٍ مع عدمِ الدليل، وما يصلحُ للإيجابِ، لما نبيِّنه من الدليل الثاني.

ومن ذلكَ: أنَّ أفعاله - صلى الله عليه وسلم - كأقوالِه؛ من أنَّها تقضي على أقواله وكتابِ الله تعالى، وتُؤثِّرُ أثَرَ أقوالِه، وهو تخصيصُ العموم، وتفسيرُ المجمل، وما (٢) جرى مجرى الأقوال في هذينِ الحكمين والقضائين، كانَ طريقاً للوجوب، ونصوغُه قياساً، فنقول: ما صلُح لتخصيصِ العمومِ وتفسيرِ المجَمل، دلَّ إطلاقُه على الوجوبِ، كالقولِ.


(١) في الأصل: "ليس".
(٢) في الأصل: "واذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>