للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجبْه عاتبه (١) على ترك جوابه، فلما اعتذر بكونه في الصلاة، قال: "أَما سمعتَ اللهَ عزَّ وجل يقول: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] " (٢) فالوجوبُ بفعلِه أشبهُ من النَّدب، إذ كانَ المندوبُ مخيَّراً بين اتباعِه وتركِه، والايجاب ما حَتَّم الفعل، وضُيقَ على الأمة تركُه، فلا يحتملُ [إِلا] تبجيلَ النبوة، وإعظامَ شأنِها.

وأوردَ بعضُهم في النظرِ على هذهِ الطريقةِ سؤالاً صالحاً، ويصلحُ أن يكونَ من جملةِ ما يحتجونَ به، وذلكَ: أنَّه لو كانَ تركُ الاتِّباعِ له إهمالاً، أو إسقاطاً لحرمةِ النبوةِ، لوجبَ إذا كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تاركاً لتعبُّدٍ لا يُعلم سببه؛ إمَّا (٣) لاستراحةٍ، أو لاستطراحٍ، أو قيلولة، أنْ يكونَ التركُ للتعبُّد في حقِّنا حالَ تركه واجباً، والفعلُ للعبادات في تلك الحالِ افْتِئاتاً (٤) عليه وتعاطياً، وعساه كان ترْكُه في تلك الحال لِعِلْمِه أنَّ التعبدَ فيها مفسدةٌ، كما كانَ بعضُ الأوقاتِ يُنهى فيه عن التعبداتِ؛ كصومِ العيدينِ، وأيام التشريق، والصلاةِ في الأوقاتِ المذمومة (٥)، وإذا لم يكن الاقتداء به في التركِ واجباً، وإن جازَ أنْ يكون تركه في ذلك الوقت واجباً، ولم يكن افتِئَاتاً عَليه، ولا مراغمةً له، ولا إهمالاً لحرمته، ولا وهناً في رتبته، فكذلكَ تركُ اتباعِه في فعلٍ لا يُدركُ على أيِّ وجهٍ فعلَه، لا يكونُ حَطّاً، ولا إهمالاً، ولا طَعْناً في رتبته - صلى الله عليه وسلم -.


(١) في الأصل: "عتبه".
(٢) تقدم تخريجه ٣/ ١٩.
(٣) في الأصل: "فإما".
(٤) في الأصل: "امتناناً".
(٥) في الأصل: "المعلومة".

<<  <  ج: ص:  >  >>