للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: ما رويَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بُعِثْتُ إلى الأَحْمرِ والأَصفرِ، وكلُّ نبيٍ بُعِثَ إلى قومِه" (١)، فدل على أنهم لم يكونوا مبعوثين إلا إلى قوم مخصوصين، فإذا لم يستوعبوا أهلَ عصرهم، أولى أن لا يستتبعوا عصرَ غيرهم.

فيقال: إنَّما لم يستوعبوا أهلَ عصرهم، لأنَّه كان يتفقُ في العصر الواحد اثنان وثلاثة، كلُّ واحد منهم بشريعة تخصه، وكلامُنا فيما (٢) إذا جاء نبي بعد النبي لا بمعنى يخصُه، ولا بنَسْخِ شريعةِ من قبله، فذاكَ الذي نحنُ فيه، وكذلك نقولُ في نبينا - صلى الله عليه وسلم -: ما جاءَ به ممَّا يخالفُ من تقدَّمه، لا يتبعُ فيه من تقدمه، وما لم يرد فيه شيءٌ يخصُه كان متَبعاً لمن قبله.

جوابٌ آخرُ: وهو أنَّ اللهَ سبحانَه لَمَّا عَلِمَ أنَّ للأُمَّة الدين بعدَه في اتباعِ الشرعِ الأول مصلحةً، أمر باتباعه، ولَمَّا عَلِمَ أنه لا مصلحةَ بعمومِ بِعْثتِه في حالِ حياتِه إلى الجماعةِ، قَصَرَه على بعضِ أهلِ العَصرِ.

على أنَّه يحتمل أنْ نقول: تكون شريعته باقيةً في القومِ الذين بُعثَ إليهم خاصةً، دون النبيِّ الذي بعثَ، ودون غيرِهم (٣)، فيكون نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - تابعاً لملَةِ أبيه إبراهيم، لأنّه كان مبعوثاً إلى العرب، والنبيُّ عربيٌّ، وإنّما خصيصةُ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لم يعاصره نبيٌّ مبعوث إلى قوم،


(١) أخرجه مسلم (٥٢١) من رواية جابر بن عبد الله بلفظ: "كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود".
وأخرجه الدارمي ٢/ ٢٢٤ عن أبي ذر.
(٢) في الأصل: "فيه".
(٣) في الأصل: "غيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>