للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقيادَ كل عاقل إلى قوله، وتصديقه، فلا فرقَ بين كونه يعد متابعاً (١) لنبي قبله، وبين كونه مبتدئاً بشريعة لم يسبقها اتباعه لأحد قبله.

على أنَّا قد بينا فيما تقدم (٢): أنه لم ينف (٣) عن الشريعة كلَّ مُنَفِّرٍ، بل أبقى أشياء كثيرة مثلها يُنَفِّر، إذ لم يجب عليه سبحانه ذلك، لِمَا قد جعل في العقول من القوة الدافعةِ لكل شبهةٍ، وفي المعجزاتِ الباهرةِ ما تَحْصلُ به الثقةُ، فلا تبقى بين هذين شبهةٌ، فمن نفرَ بعد ذلك، فإنما أُتي من قبل نفسه، ودُهيَ من جهةِ إهمالِه وإغفالِه، ومن قال: بأنه يفعلُ ما يشاءُ، ولا مُعقّبَ لأمرِهِ، لم يَحْسُنْ به أن يُورِدَ مثلَ هذا الاحتجاجِ الموهِم، بأنَّه إذا فعل ذلك، فقد أخلَّ بواجبٍ.

ومنها: أن قالوا: إنَّ دعوى اتباعِه لشرائعِ من قبله، دعوى بعيدةٌ؛ لأنَّ ذلك لو كان، لساغَ النقلُ فيه؛ لأنَّ العباداتِ والأحكامَ كثيرة، والأسئلةَ في ذلك متوفرة، وذلك لأنَّهُ أمرٌ تعمُّ البلوى به، فلمَّا لم يُنْقَلْ أنَّه سألَ عن دينِ اليهوديةِ مَن أَسْلمَ، فكان ثقةً عنده؛ كعبد الله ابن سَلاَمٍ، وكعب الأَحْبارِ، عُلمَ أنه لا أصل لذلك.

فيقال: وما الذي أحوجه إلى ذلك، مع كون الوحي يمده عند كل عارض يعوضُ، وحكمٍ يُسألُ عنه؟ ولما أمر برجم اليهوديين اللذين زنيا بعد إحصانهماً، وزعمت اليهود أنه لا يجب عليهما إلا التَّحْمِيمُ، قاضاهم (٤) - صلى الله عليه وسلم - إلى التوراة، ودخل معهم بيتَ الدراسة، فجعل ابن صوريا يضع يده على آية الرجم، فقال له عبد الله بن


(١) في الأصل: "متابعته".
(٢) في الصفحة: ١٥٨ وما بعدها.
(٣) في الأصل: "ينفر".
(٤) في الأصل: "فقاضاهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>