أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨)} [الرعد: ٣٨]، ثم قال:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} فكان عائداً إلى نسخ شريعةٍ ماضيةٍ بإثباتِ شريعةٍ مستقبلةٍ، والكلُّ معلومٌ له قبلَ نسخِه ومحوِه وإثباته، بدليل ما ذكرنا.
قالوا: ولأنا وجدنا بأن الفاعلَ للأمر إذا عَكَسَه، والبانيَ إذا نَقَضَ ما بناه وهَدَمَه، والمُعطِيَ إذا استرجع [ما] أعطاه، وسَلَبَه، والآمرَ بالشيءِ إذا نَهَى عنه لا سِيَّما قبلَ وقوعِهِ، أو حال بين المأمور وبينَه بعدَ أن اسْتَدْعاهُ منه، وكانَ الأول منه عن علمٍ بما أَمَرَ به وبما شَرَعَ فيه، فإن الثاني -وهو النَقْضُ والهَدْمُ، والسَّلْبُ والاسترجاعُ، والنهيُ- عن علمٍ منه تَجدَّدَ، وإلا فمحال أن يكونَ العلمُ الأول هو الذي أَوجبَ الثانيَ، فلم يبقَ إلا أنه لعلمٍ تَجدَّدَ بعدَ أَن لم يَكُنْ في الأول، ولو كان في الأول، لما بَنَى ولا أمَرَ، وهذا هو البَداءُ بعينِه.
فيقال: وما تُنكِرُ على من قال: إنَّه علم أن الأمرَ بذلك مصلحةٌ لخلقه، والبناء مصلحةٌ، في ذلك الوقت الذي أمر وبنى (١)؟ وأن المُتجدِّدَ معنىً تَجدَّدَ على المخلوق، وأنَّ البقاءَ على ذلك الأمرِ الأول والحال الأولى مفسدة، فعادَ التغييرُ إلى المخلوقِ دونَ الخالقِ، ولو كانت العوارضُ الحادثةُ تدل على تَجَدُّدِ علمٍ كان سَبقَه عدمُه، لوجب أن نزيدَ على قولكم بالبداءِ غيرَ ذلك من الأوصافِ المتغايرة والمتضادة، مثل: أنَّه إذا خَلَقَ ورزقَ، وحَنَّنَ الآباءَ والأمهاتِ، ثم سلبَ وأعدمَ ذلك بأنواعِ الإعدامِ؛ من موتٍ، أو إعاقةٍ، أو قسوةٍ تجدَّدت من الوالد حتى قتل ولده، والجارح والسبُع حتى أكلَ فرخَه وسخله، أن يقال: قسا بعد أن كان رحيماً، وإذا منع الرزو، أن يقال: بخل بعد أن كان كريماً، وكذلك إذا أجدب بعد