للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك: أن الله سبحانه ما زال يَنْقُلُ من حالٍ إلى حالٍ؛ من صغرٍ إلى كِبَرٍ، وصِحَّةٍ إلى سَقْمِ، وغِنىً إلى فقرٍ، وأَمنٍ إلى خوفٍ، وعِلمٍ إلى جهلٍ، كما قال سبحاَنه: {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤] وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [غافر: ٦٧] إلى قوله: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر: ٦٧] وكان ذلك جائزاً عليه، ولم يك بداءً، كذلكَ يعتبرُ ما جعلهُ صلاحاً لدينه ودنياه، لا يمتنعُ أن يقعَ فيهِ الاختلافُ، والنفيُ بعد الإثباتِ، والإثباتُ بعد النفي، إمَّا للأصلح للعبدِ، أو لمطلقِ المشيئة.

والذي يوضِّحُ هذا: أنَّ من يصحُّ عليه البداءُ، يحسُنُ إضافتُه إليه في هذا، كما يَحْسنُ إضافتهُ إليه في الأحكام، فيقال: كان فلانٌ يواصلني بالهدية فبدا له، وكان يكرمني فبدا له، كما يقال: أَمَرَ عَبْدَه بالخِدْمةِ -في كذا وكذا من أنواعِ الاستخدام-، ثم بدا له، إذا قطعَ عنه ذلك، أو نقَلَه إلى غيرِه، أو تركه وأهملَه، فإذا كان الله سبحانه يجوزُ عليه هذا النوعُ، فلا يكونُ بَداءً، بلَ يكونُ على ما يَلِيقُ به، إِمَّا لمصالح خَلْقِه بحسبِ أحوالهم المتجددة وأزمانهم، أو بحسب المشيئة، لأنَّ حقيقةَ البَداء لا تَتحقَّقُ في حقِّه، وهو تَبيُّنُ الشيءِ بعدَ الخفاءِ، وظهورُه وتَجَلِّيه بعد تَغَطِّيهِ عليه.

ومن ذلك: أنه إذا جازَ أن تكونَ المصلحةُ في العبادةِ إلى غايةٍ، مثل: الصومِ إلى الليل، والصلاةِ إلى اخر الركعة الرابعةِ، والحجِّ والإحرام المانعِ من اللُّبْس، والتغطيةِ للرَّأْسِ، وتقليمِ الأَظافرِ، وإزالة الشَعَثِ، إلى غاية -هي رميُ الجَمْرةِ في يوم الأضحى-، ثم يزولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>