للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبداءُ لا يجوزُ عليهِ، ولا يجوزُ إثباتُ ما يؤدي إليهِ، والذي يوضحُ أن النسخَ عينُ (١) البداءِ: هو أن الآمِرَ بالشيءِ، إذا نَزَعَ عنه، وأَمَرَ بضدهِ، أو نَهى عنه، إذا كان حكيماً، لم يُحْمَلْ نهيُه عن الشيءِ بعدَ أمره به (٢) إلا لِمَا عَلِمَه في الثاني من حالهِ مِمَّا (٣) كان متغطياً عنه حالَ الأمر به، وإن لم يَكُنْ لمعنىً بانَ له كان خافياً عنه كان عابثاً (٤)، فهو متردد بين بداءٍ وعبث، وكلاهما لا يجوز على الله سبحانه، فلا وجه لتجويزهِ عقلاً.

فيقال: إن الذي أَدَّى بكم إلى اعتقاد هذا، استشعارُكم أنهُ أرادَ بالأمرِ (٥) بما أمرَ بهِ الدوامَ، ثم قطعهُ، فعادَ ذلكَ بالبداءِ، فأمَّا ما نقولهُ نحن فلا يفضي إلى ذلكَ، فإنا نقولُ: إنه أمرَ بما أمرَ به -من استقبال (٦) بيتِ المقدس مثلاً- وأرادَ بهِ إلى مدةٍ عَلِمَها، ثم إنه أخفاها عن المكلفينَ اَمتحاناً لهم وابتلاءً، وأبانَ عنها النسخُ، وما ذلكَ إلا بمثابةِ خلقهِ للحيوانِ صغيراً، والابتداءِ بالطائرِ بيضةً، فلما كَبَّرَ الحيوانَ، وأَخرجَ من البيضةِ طاووساً، أو أمرضهُ بعدَ الصحة، أو أفقرهُ بعدَ الغنى، لم يكن ذلكَ بداءً، بلِ نقول وإياك: إنه كانَ من مراده، وبانَ من قصده سبحانه، أن يكون ذلكَ المخلوقُ على تلك الصفةِ بعد (٧) زمانٍ معلومٍ، وَوَقَّت نَقْلَهُ من حالهِ الأولى إليها،


(١) في الأصل: "عن".
(٢) في الأصل: "ولا".
(٣) في الأصل: "ما".
(٤) في الأصل: "غايباً".
(٥) في الأصل: "الأمر".
(٦) في الأصل: "واستقبال".
(٧) في الأصل: "إلى"

<<  <  ج: ص:  >  >>