للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المأمورِ، فأمَّا [عدمُ] الكونِ في الدارِ بعدَ الخروجِ، فحاصلٌ بضرورةِ منافاةِ الحصولِ فيها (١) مع الخروجِ، فلا يكونُ نهياً لحصوله ضرورةً، وإنما النَّهي هو استدعاءُ ما يدخلُ تحتَ القدرةِ، وذلكَ قد حصلَ في الأمرِ بالخروجِ، وصارَ عدمُ كونِه في الدارِ مضطراً إليه، وحاصلاً بالمنافاةِ لا بفعلِهِ؛ ولذلك لا يوصف بالقدرةِ على المخالفةِ مع الطاعةِ، بل لا يوصفُ إلا بالقدرةِ على الخروجِ، فقط، فأمَّا الكون في الدارِ بعدَ الخروجِ، فيندرجُ انتفاؤُهُ في الخروجِ اندراجاً ضروريّاً (٢)؛ لمكانِ التضادِ، والامتناعِ في نفسِهِ.

كذلكِ ها هنا إذا فعلَ مباحاً أو نافلةً، امتنع وقوعُ المعصيةِ؛ لمكان أنَّ المحلَّ لا يحتمل فعلين، ولا نقولُ: إنهُ تارك، فلا يوصفُ بكونِهِ تاركاً، فضلاً عن أنْ يُقالَ: إنه ترك واجب؛ لأن الوجوبَ فرعٌ على كونه تركاً، ونحن لا نحققٌ له التركَ، بل هو فاعل لذلك الفعلِ المباحِ أو النفلِ، وانتفاء المعصيةِ فبمضادةِ (٣) الفعل لها في المحلِّ، وذاك لا يُسمَّى تركاً، وإنما هو تمانع وتنافٍ، يعودُ إلى امتناع الشيءِ في نفسِهِ، أو عدمِ القدرةِ على فعلِه، وماَ تعوَّقَ حصولُهُ لعدمِ القدرةِ عليه، لا يُخلَعُ على مَن لم يَفعَلْهُ اسمَ تاركٍ.

فمن ها هنا دُهي الكعبيُّ، وأنه لم يَفْصلْ بين التركِ، وتعذُّرِ الفعلِ من طريقِ التنافي، واللهُ أعلمُ.


(١) في الأصل: "منها".
(٢) في الأصل: "اندراج ضروري".
(٣) في الأصل: "فمضادة".

<<  <  ج: ص:  >  >>