للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإنزالها، فلا فرقَ بينَ أنْ يتلوَ لنا قرآناً يَرْفعُها أو يروي لنا وحياً ليسَ بقرآنٍ يرفعُ حكمَها، أوْ تلاوتها رأساً.

فإن قيل: ولا إحالة في العقل أيضاً برفعِ حكمِ الآي بأخبارِ الآحادِ، ولم يدلَّ نفيُ إحالةِ العقلِ لذلك على جواز النسخ بها، كذلك متواتِرُها.

فيقالُ: يحتمل أن نقولَ: لولا إجماعُ الصحابةِ، لجوَّزْنا، لكن الصحابةُ أَجْمَعَتْ على ردِّ قراءة ابنِ مسعود، وإنْ كانَ الثقةَ العدلَ، وهو يقولُ: سمعتُ من رسول الله كذا، وهم لا يلتفتونَ إلى روايتِهِ، فما رضوا بنقلِ ابن [مسعود] مع جلالته وفضله لإثباتِ كلماتٍ وحروفٍ في كتاب الله، ولم يثبتوا في المصحف إلاّ ما وقع الإجماعُ على نقله، فكان ذلك تنبيهاً على أنهم لا يقبلون روايَتُه في رفعِ القرآنِ ونسخِهِ.

على أنَّ في ذلكَ معنىً يأباهُ العقلُ، وذلكَ أنَّ القرآنَ حكمه ثبتَ بدليلٍ قطعي وطريق قطعي، فكيفَ يُرفعُ القطع بخبرِ الواحدِ، وغايةُ ما يوجبُهُ غلبةُ الظنِّ؟ والعقلُ يأبى ذلك، ولا يأبى رفعَ القطعِ بالقطعِ، لاستوائهما في الغاية، وهي العلمُ الذي لا يقبلُ التزايدَ، لا سيما والتواترُ يوجبُ علماً ضرورياً، فيصيرُ السامعُ لخبرِ التواتر، كالسَّامعِ منَ المخبرِ عَنْهُ (١ أمراً طارئاً ينافي ا) مخبره، وبعد أنْ ينحرسَ الإثباتُ عن الشكِّ والريب، فلا طائلَ في المراتبِ فيما عدا ذلك، ألا ترى أنَّ أصْلَ إثباتِ الشريعةِ جاءَ تارةً بطريقِ المنامِ، وتارةً بالمَلَكِ، وتارةً بالإلقاءِ في رُوعِهِ، وتارةً باجتهادهِ، على قولِ من أثبَتَ جوازَ إثباته الأحكام باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - (٢)، فلما سَلِمَتِ العصمةُ، تساوى


(١ - ١) طمس في الأصل.
(٢) وبه قال أصحاب أبي حنيفة، وبعض الشافعية. انظر"العدة" ٥/ ١٠٧٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>