وكذلك العلمُ بأنَّ الاثنين أكثرُ من الواحدِ، وأنَّ الضدينِ لا يجتمعانِ في المحل، لصحَّ منه تعالى أنْ لا يفعلَ العلمَ في العاقلِ بما أدركه، وبكلِّ ما يعلمُ ببديهةِ العقلِ، فإن مروا على ذلك، مررنا لهم على ما ألزموا، وإن أَبَوْهُ، نقضوا قولهم، وأبطلوا إلزامَهم.
ومنها: ما تعلق به بعضُ أصحابِنا، وجماعة من الفقهاء، وغيرُه أصلحُ منه وأنفعُ، لكنني أذكرُهُ لئلاَّ يُعوَّل عليه، قالوا: إذا كانَ كلُّ واحد من المخبرين لا يُوَلِّدُ خبرُه علماً، والآخِرُ على الوَحْدة لا يولدُ خبرُه علماً، عُلِمَ أنَّ العلمَ حادثٌ بفعلِ الله سبحانه.
ولهم أن يقولوا: إنَّ كلَّ وصفٍ من أوصافِ الدلالةِ القياسيةِ لا ينتجُ ويؤثر حكمَ القياس في الأصلِ ولا في الفرع، وبمجموعِها (١) أَثَّرَتْ، وكذلكَ آحادُ الشهودِ في البيِّناتِ لا يقال: إنَّ الأخيرَ لم يوجب الظنَّ وحده، ولا كل واحد أوجبه، فثبت أنَّه إنما حدث ظنُّ الحاكمِ، لا صادراً عن الخبر الأخير، لكن لبناء قول الآخِرِ على الأول، كما انبنى تأثيرُ الوصفِ الأخير على تأثيراتِ الأُوَل من الأوصافِ، وكذلك قُفْزَانُ الحنطة في الغرق الحادث في السفينة عند حصول القَفيز الأخيرِ فيها، وكذلك السكرُ من الأقداحِ عند حصول القدح الأخير، وكذلك العصيُّ المتكررةُ ضرباً لمن يموت بمثلِ تلك الضربات، تساعدت الآلام بعضها ببعض، وانبنى الألمُ الحادثُ بالضربةِ الأخيرة على آلامِ الضربات المتقدِّمةِ، فلا وجهَ لقطعِ الخبرِ الأخير عمَا تقدَّمه، وهذا في جميعِ المحسوساتِ والمعلوماتِ والمؤَثِّراتِ للأححَام، حتى إنَّ التغيرَ الحادثَ في الماءِ من نبذة بعد نبذةٍ من زعفران، والقطرةَ من الماءِ على الحجر، إذا دامت، أثَّرت،