للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحركةَ أوجبَتْه، ولا أحدثته، وعلى هذا.

فإن قيل: فأصلكم يمنعُ هذا، لأنكم عللتم كونَ القديم عالماً بالعلمِ، وكونه قادراً بالقدرة، وعلى هذا، ومعلومٌ أنَّ كونَه عالمآ واجبٌ له، فعلَّلتم الواجبَ، فكيف أَخْلَيْتُم العلة من تأثير المعلول، ثم تستدلون بعد قولِكم هذا على أنَّ كونَ العالمِ عالماً معلولُ العلمِ (١)، وكونَ القادرِ قادراً معلولُ القدرةِ؟! ومثلُ هذا ما فعلتموه في سدِّ باب الاستدلالِ على كونِ الصنعةِ مفتقرةً إلى صانعٍ، فإنَكم مع قولكم: لَا خالقَ، ولا فاعلَ في الشاهدِ، لم يبقَ لكم دليلٌ من الشاهدِ على الغائبِ، وإذا بطلَ هذا من أصلِكم، لم يبقَ إلا أنَكم مضطرون إلى أنَّ كل كائنٍ يكونُ عقيبَ كونِ كائنٍ لا محالة، فعنه صدرَ، وهو مُوجبُه ومُسبِّبُه، وقد رأينا أنَّ العلمَ حصلَ عقيبَ خبرِ هؤلاءِ المخبرين المخَصوصين لا محالة، حتى إنّه لا يجوزُ أن يحصلَ عقيبَ خبرِ جماعةٍ، ولا يحصلُ عقيبَ خبرِ جماعةٍ مثلها، فثبتَ ما قلناه.

قيل: أغنانا عن القولِ بالعلةِ والتولُدِ، ما ثبتَ من وجودِ صانع يكفي وجودُه لإحداثِ كلِّ حادثٍ، وكما أنَّه أجرى العادة في إدراك المحسوساتِ بنوع اتصالٍ وانطباعٍ، أو اتصالٍ شاعَ بالمحسوس ضرورة، ولا يجو أن يختلفَ وجودُه، أجرىِّ العادةَ بأنَّ العددَ الكثيَرَ المخبرين عن دركِ حواسِّهم لا يتطرقُ عليهم كذبٌ، فحصلَ العلمُ عقيبَ خبرِهم، كما حصلَ لنا العلمُ بدركِ حواسِّنا، وأغنانا (٢) عن القولِ بالتولد.

وأمَّا دعواكم علينا أنَّه يَسُدُّ علينا بابَ إثباتِ الصانعِ، فليسَ كذاك،


(١) في الأصل: "العلة".
(٢) غير واضحة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>