فيقال: إنَّما تقوى بالصفةِ الآحادُ؛ ليغلبَ على الظنِّ صدقُ المخبرين، فأمَّا عددُ التواترِ؛ فإنَّ الإحالةَ للتواطؤ كافية عن اعتبارِ الصفاتِ الزائدةِ على المعتبرِ من العقلِ، وسلامةِ الحواسِّ التي يحال بالإدراك عليها، وقد وطن لمثل هذا جماعة من الفقهاء المالكيةِ والحنابلةِ في شهادة الصبيان في الجراح، فلم يعتبروا البلوغ، إذا جاؤوا مجتمعين قبلَ أن يمضيَ زمان يتهمون فيه بالتعليم لهم أو التواطؤ، فللاجتماع، وعدم تجويزِ التواطؤ، عمل وتأثير يغني عن اعتبارِ صفاتِ المخبرين؛ لبُعْدِ التُّهْمةِ في ذلك.
على أنَّا نجدُ من نفوسِنا العلم بإخبار العددِ الكثيرِ وإن كانوا كفاراً؛ بحيث لا يورثُنا كفرُهم شكاً في خبرِهم، مع توفيرِ عددِهم، واستحالةِ تواطئهم على الكذب.
وأما الإجماع، فإنما صار حجة معصومةً بالشرع، والشرعُ خصَّ ذلكَ بقوم مخصوصين بالإسلام، والاجتهادِ، والعدالةِ، مع البلوغ والعقل، وليس كذلك الأخبارُ، فإنها توجب العلمَ من طريقِ العادةِ، وما طريقهُ العادةُ، لا يختلفُ فيه المسلمونَ والكفارُ.
ومنها: أن قالوا: لو كانَ العلمُ يقع بتواترهم، لوجب أن يقعَ العلمُ بكلِ ما يخبرون به، ومعلوم أنَّه لا عددَ أكثرُ من عددِ النصارى من بين سائرِ الملل، وقد أخبروا بقتلِ المسيح وصلبهِ عليه السلام، ومع ذلك لم يثبت العلمُ بخبرِهم، وما ذلك إلَا لعدمِ إسلامهم.
فيقال: إنما لم يقع هناك العلمُ؛ لأنَّ شرائط التواتر فيه غيرُ متكاملة، وهو استواءُ طرفي العددِ ووسطِه، [و] الذي نقلته النصارى