أن يكونَ باطنُ الشهادة كذبَ الشاهدِ، وباطنُ الفتيا خطأ المفتي.
جوابٌ آخر: لو كانَ هذا طريقاً في المنعِ [لكان طريقاً في المنع] من العملِ بالاجتهاد؛ لأنَّ أدلة الاجتهادِ ظواهرُ غيرُ قطعيةٍ، كالقياسِ والاستنباطِ والعمومِ، وكما أنَّ خبرَ الواحدِ يجوزُ عليه الكذب، [و] المجتهدُ المستندُ اجتهادُه إلى هذهِ الطرق يجوزُ عليه الخطأ، فإذا لم يكن طريقاً لمنعِ العمل بالاجتهادِ، لا يكونُ طريقاً لمنع العمل بأخبارِ الآحاد.
ومنها: أن قالوا: لو جازَ العملُ بخبرِ الواحدِ، وإن لم يقع به العلمُ، لجازَ العملُ بخبرِ الفاسقِ والصبي؛ إذ ليسَ في خبرِهما إلا عدمُ وقوعِ العلم.
فيقال: لو وردَ الشرعُ بالعملِ بالخبرِ الصادرِ عنهما، لقبلناه، ولهذا لما جَوَّزَ قبولَ خبرِ الصبي في الهدية، والإذن في دخول الدارِ، قبلناه، لكنَّه نهانا عن الرجوعِ إلى قولِهما، وجاءنا بقبولِ قولِ الواحدِ العدلِ، فقبلنا ما جَوَّزَ لنا قبولَه، ورددنا ما منَعنا قبولَه، وهو في بابِ الشهادةِ والفتوى، فلا فتوى لفاسقٍ ولا صبى، ولا شهادةَ، بخلافِ الواحد العدل.
على أنَّ الثقة في العادة لا تحصلُ بخبرِ من عرفناه بارتكابِ الكذبِ في القولِ، والتحري في الفعلِ، وتحصلُ لنا فيمن عرفنا منه التحري في القولِ والعملِ، فهذا معنى يرجعُ إلى ما نجده من نفوسِنا، ولهذا لم نقبل شهادةَ الفاسقِ، وقبلنا شهادةَ العدلِ.
ومنها: أن قالوا: لمَّا لم نقبل خبرَ الواحدِ في الرسالةِ والنبوةِ حتى اعتبرت المعجزةُ، كذلك لا نقبل ما جاءت به النبوةُ من التكاليفِ