للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما حسنت ثقةٌ بأحدٍ، وقد قال عمر رضي الله عنه: الثِّقة بكلِّ أحدٍ عجزٌ، وكلامُ الناس في ذلك أكثر من أن يُسطَّرَ، فغايةُ (١) ما يقعُ في النَّفس مع حُسنِ الظاهر، ويمِرُّ في القلب من خبرِ المخبرِ العدلِ: حسنُ الظنِّ به، وأنه صادق، فأمَّا القطعُ والعلم، فلا وجه له، لا سيما مع قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -:"سيكثر الكذب عليَّ" (٢)، وقوله: "نضَّر الله امرأً سمعَ مقالتي، فوعاها، فأداها كما سمعها، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقهُ منه" (٣)، وهذا يعطي التَّجوُّزَ في تغييرِ المعنى، مع تجويزِ التزيد في اللفظ.

وأمَّا إلزامكم العلمَ الاستدلالي، وأنَّه قد يعترضه الشَّكُّ والشبهةُ، ولم يخرج [عن] أن يكون علماً، فلا نُسَلِّمُ أن ما صَدَقَتْ مقدماتُه، وصَحَّتْ نتائجه من أدلة العقول، ولم يَمِلْ صاحبه إلى ضربٍ من التقليدِ، ولا أخل (٤) بشروطِ (٥) النظر، بل صدق نفسه الاجتهاد بطرقِه، فإنَّه يهجمُ به ذلك على إصابة الحق المطلوبِ لا محالة، وإنَّما يؤتى الإنسان فيه من قِبَلِ نفسِه، ويُدْهى من إهمالِ بعضِ شروطِه، فأمَّا الخبرُ، فإنه إذا خَبرَ عدالةَ الراوي، وجاءَ مثلُه في العدالةِ بخبرٍ ينافي ذلك الخبرَ، فإنَّه لا يترجحُ أحدُهما على الآخرِ، فيورثُ ذلكَ شكاً، مع تمام شروطِ الدليلِ، فلو كان الدليلُ يورث


(١) في الأصل: "بغاية".
(٢) لم يرد الحديث بهذا اللفظ، قال البيروتي في "أسنى المطالب" (١٢٠): لم يعلم أنه حديث. وذكره الصنعاني في "الموضوعات" (٢٤)، على أنه يغني عنه ما تقدم تخريجه من قوله: "ويفشو الكذب"، وسيأتي ص (٤٣٣).
(٣) تقدم تخريجه ١/ ٧.
(٤) في الأصل: "أهل".
(٥) في الأصل: "شروط".

<<  <  ج: ص:  >  >>