كتاب الواضح في أصول الفقه

* فصل في المعتبر في الراوي من الصفات لقبول روايته - فصل في كلام أحمد وغيره في ذلك - ج: 5 - ص: 11

ونُقِلَ عن أحمدَ فيمن تابَ عن الكذبِ: أنَّه لا يقبلُ حديثُه، فنقل أبو عبد الرحمن عبيدُ الله بنُ أحمدَ الحلبي (١) قال: سألتُ أحمدَ بن حنبل عن مُحدِّثٍ كذبَ في حديثٍ واحدٍ، ثمَّ تاب ورجع، قال: توبته فيما بينه وبين الله، ولا يُكتبُ عنه حديثٌ أبداً.

وقال قاضي القضاة أبو عبد الله الدامَغَاني (٢) رضي الله عنه: يُقبلُ حديْثُه المردودُ وغيرُه إذا تابَ، بخلاف الشَّهادة إذا رُدَّت ثم تاب، لا تُقبلُ المردودة خاصة، قال: والفرق بينهما أنَّ الشهادة المردودةَ ردُّها حكمٌ من الحاكمِ، فلا تقبلُ بعدَ ردِّها، لأنَّ فيهِ نقضاً للحكمِ بالتوبة، وهي ظاهرٌ، فلا يجوزُ نقضُ الحكمِ بظاهرٍ متردِّد، وردُّ الخبرِ ليسَ لمجكمٍ.

وقالَ أبو بكر الشَّامي قاضي القضاة رضي الله عنه: لا نقبلُ خبرَه المردودَ بعد التَوبةِ، ونقبلُ غيرَه من رواياتِه اعتباراً بالشَّهادة.

وقد اعتلَّ شيخُنا (٣) رضي الله عنه لردِّ شهادته بعدَ التوبة: أنَّ مَنْ أقدمَ على الكذبِ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - زنديقٌ، فَنُخَرِّجُ ردَّ توبتهِ على ردِّنا. لتوبةِ الزنديق.

---

(١) في الأصل: "عبد الله بن أحمد"، وهو: من كبار أصحاب الإمام أحمد، سمع منه مسائل مفيدة، قال أبو بكر الخلال: رجلٌ جليا جداً، كبير القدر. انظر: "طبقات الحنابلة" ١/ ١٩٧.
(٢) هو: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن حسين بن عبد الوهاب الدامغاني، الحنفي تقدمت ترجمته ٣/ ٢٥٥.
(٣) هو: القاضي أبو يعلى الفراء. انظر "العدة" ٣/ ٩٢٩.