التقابلِ كالمحظورِ والمباح عندَ الاختلاطِ، ولو اختلطتِ الأَعيانُ، بعضها مباحٌ وبعضُها محظورٌ، غلبَ التجنبُ على الإقدامِ والحظر على الإباحةِ؛ ولأَنَّ الحظرَ إذا كانَ مشروطاً، والمباحُ مشروطاً، فوجِدَ بعضُ شروطِ الإباحةِ، لم تحصل الإباحةُ، ولو حصلَتْ بعض شروطِ الحظر كَفَى في تحصيلِهِ، كالبيع يحرمُ ويبطُلُ بشرط، ولا يباح ويصحُّ إلا بجميع شروط الصحة، والطّهارة تبطل بأحدِ أسباب إبطالها، ولا تصحُّ إلاَّ بكمالِ شروطِها، والجمعة كذلك.
وأَمَّا قولُهُ: يستحيلُ اجتماعُ الحظرِ والإباحةِ كما يستحيل اجتماعُ الضِّدَّين، واستشهادُهُ بالشَّهادةِ، فَلَعمري إنَّه كذلك، لكن ليس يَقِف التقديم للحظرِ على اجتماعِهما، لكنَّ التجويزَ للحظر يوجبُ الحظرَ، ويكفي فيه مجرَّدُ التجويزِ، لأنَّ الحظرَ كالاحتراز والاحتياطِ، والتجويزُ كافٍ في وجوبه، أعني: وجوبَ الاحتراز، والإباحةُ إقدامٌ، ولا يكفي في الإقدامِ تجويزُ السَّلامةِ من الاستضرار بالتبعة أو غيرها من الضَّررِ، والشَّهادة إنما كانت على حقيقةِ فعلٍ لا يمكنُ وقوعه على الوجه الذي ذكرته، بل يستحيل، وهاهنا إخبارٌ عن إيجابِ تجنّبٍ، وإخبارٌ عن إيجابِ إقدامٍ وتجويزه، وتجويز الضَّرر في الإقدام يوجبُ الإحجامَ، كما وَجَبَ في العقلِ منَ التحرُّزِ من الضَّمانِ، وبما وَجَبَ في الشَّرع وفرق بينَهما، بدليل أنَّه لَوِ اشتبهَ علينا مَنْ هو القاتلُ، لم يثبتِ القاتلُ، فكيفَ إذا كانت الشَّهادةُ. بمستحيلٍ، فأمَّا في الأعيان والأحكام، فإنّها إذا اشتبهت محظورُها بمباحِها غُلِّبَ الحظرُ.