للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل لحِقَهُ الوعيدُ، سواءٌ كانَ سبيلاً لأحدٍ أو لم يكنْ، ولأَنَّه إنَّما شرط تبيُّن (١) الهُدى مشاقَّةِ اْلرّسولِ، ومشاقَّةُ الرَّسولِ لا تكونُ مُستَحَقًّا عليها الوعيدُ إلاَّ بعدَما تبيَّنَ بالدليلِ أَنَّه رسولٌ، وأَمَّا في تركِ سبيلِ المؤمنينَ واتباع سبيلِ غيرِهِم، فقدْ أطلقَ الوعيدُ، فوجَبَ أَنْ يتعلَّقَ الوعيدُ بمخالفتِهم بكلِّ حالٍ.

وأمَّا قولهم: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] يرجعُ إلى ما كانوا بِهِ مؤمنينَ -وهوَ الإيمان-، فتخصيصٌ (٢) لعمومِ الاتباع بغيرِ دليلٍ، واللَّفظُ يعمُّ كلَّ سبيلٍ مِنْ مذهبٍ ودينٍ، أَلاَ تَرَى أَنه إذا قالَ: اتبعْ سبيلَ المؤمنينَ، عمَّ الأمرُ باتِّباعهم جميعَ ما ذهبوا إليهِ مِنَ السُّبلِ، وكذلكَ إذا قالَ: اتبعْ سبيلَ العلماءِ، رجعَ إلى ما كانوا بِهِ علماءَ وما لَمْ يكونوا بِهِ علماءَ؛ ولأنَّ السَّبيلَ الذيْ كانوا بهِ مؤمنينَ، قدِ استُفِيْدَ تحريمُ تركِهِ والوعيدُ عليْهِ مِمَّا استفيدَ مِنْ مشاقَّةِ الرًّسولِ؛ لأَنها بنفسِها كفرٌ.

وأمَّا قولُهم: فالمؤمنونَ لا معرفةَ لنا بأعيانِهمْ، فغيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الإيمانَ وإنْ كانَ عَنَّا غائباً إلاَّ أَنَّ له شواهدَ علَّقَ الشَّرعُ عليها أحكامَ الإِيمانِ، بشواهدِ الأَقوالِ والأفعالِ التي عليها بنينا حكمَ العِتقِ في كفَّارةِ القتلِ والظِّهارِ، وعليها ينبني الحكمُ بتَبَعيَّةِ الأَولادِ في الإيمانِ، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأحكامِ، ولم نُكَلَّفِ العلمَ بالباطنِ إِلاَّ بهذا الطريقِ.


(١) في الأصل: "تبيين".
(٢) في الأصل: "تخصيص".

<<  <  ج: ص:  >  >>