للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣]، فوجه الدَّلالةِ أَنَّه جَعَلَهم شهداءَ على غيرِهم، فأمَّا على أنفسِهم فلا، وأنتم تجعلونَهم حجَّةً على أنفسِهم.

ومنها: ما احتجَّ بهِ صاحبُنا مِنْ أقوالِ الصَّحابةِ، فمنها: ما رُوِيَ عن على أنَّه قالَ: كان رأيَ مَعَ رأيِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ: أنْ لا تباعَ أمَّهاتُ الأَولادِ، وأرى الآنَ أَن يُبَعْنَ، فقالَ له عَبيدةُ السَّلْمانيُّ: رآيك معَ الجماعةِ أحبُّ إِلينا مِنْ رأيِكَ وحدَكَ (١).

وإظهارُ علي للخلاف بعدَ الاتفات يكفي، فكيفَ وقدْ أقرَّهُ الجماعةُ، وغايةُ ما نطقَ بِهِ عَبيدةُ ترجيحاً لأحدِ الاجتهادينِ وهو الأَوَّلُ. وروى عطاء عَنِ ابنِ عباس أنَّه قالَ: واللهِ ما هيَ إلاَّ بمنزلةِ بعيرِكَ وشاتِكَ (٢).

وكانَ عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ يبيحُ بيعَ أمَّهاتِ الأَولادِ (٣).

ومنها: أنّه قولُ معصومٍ، أو قولُ مَنْ جعل الشَّرعُ قولَه حجَّةً، فلم يستقرَّ إلاَّ بموتِهِ، كالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها: أنَّ ما ذهبَ إليهِ المخالفُ يجعل قولَ الإنسانِ عَنِ اجتهادِهِ مانعاً لَهُ عِن اجتهادِهِ، وهذا فاسدٌ؛ لأَنَّ الرأيَ أبداً عندَ المراجعةِ والتحيّر وتكرارِ النَّظرِ يكونُ أصحَّ، ولهذا قالَ الله سبحانَهُ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا


(١) تقدم تخريجه في أول الفصل السابق. ص ١٤٣.
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١٣٢١٨).
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٣٢٢٨)، (١٣٢٢٩)، والبيهقي ١/ ٣٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>