للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الله سبحانه، فما يُبادِرُ به حقّ، وما يَتعقبه من النسخ فإنما يكون للمُستَقبَل، ولا يُعتَرض على الأول بالإبطال والتخطئة، بخلاف مسألتِنا، فإنه يَصدرُ عن رأي واجتهادٍ، وقد يَضِل الرأيُ في الأول وَيَتضحُ في الثاني لإدْمان الفِكْر والبحث، والنبيُّ لا يقول: الأولُ خطأٌ، وهذا المجتهدُ يقول: الرأي الأولُ خطأ، وكان التعلّقُ (١) فيه بشُبْهةٍ، والآن قد وَضَحَ الدليلُ، وبانَتِ الحُجَّة، فالردُّ لرأيه الثاني مع صِدْق اجتهاده كرَدِّ خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما وَرَدَ إليه من النَّسْخ مع صِدْق خبره، فكما لا يجوزُ ذلك لا يجوزُ هذا.

وأما قولهم: بأن ما ذهبتُم إليه يُفْضي إلى أن لا يتَحقًقَ إجماعٌ لتَسَلسُل الخِلاف، ولحُوقِ خلاف المجتهدين في عَصْرٍ بالعصر الذي قبلَه، فإن هذا يَنبَنِي على أصلٍ: وهو أن التابعيَّ إذا عاصَرَ الصحابةَ وهو من أهل الاجتهادِ، هل يُعتَدُّ بخِلافِه (٢)؟ ففيه روايتانِ عن صاحبِنِا، فإن قلنا: لا يكون مُعتَدًّا بخلافِهِ. لم يُفْضِ إلى ما أَلْزَمُونا من التسلسسل، بل يَنقَطِعُ عصرُ الضابعين عن عصر الصحابة.

والثاني: يُعتَدُّ به، فعلى هذا يصيرُ التابعيُّ المجتهد كآحاد الصحابةِ، فإذاكان مُجمِعاً معهم على قولِ، كان كإجْماع الصحابة، لا يَجُوزُ لمن تَجدَّدَ من التابعين في العصرَ الثاني خلافُ إجماعهم؛ لأنه ما عاصَرَ الصحابةَ وإنما عاصَرَ من عاصرهم، وإنما يَسُوغُ الخلافُ لمن عاصرهم،


(١) في الأصل: "التعليق".
(٢) ستأتى المسألة بالتفصيل في الصفحة ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>