للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها، فكانت محفوظةً بِه - صلى الله عليه وسلم -، وبكونِها دارَ الهجرةِ، وموطنَ الصَّحابةِ بعدَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لا يمنعُ مِن كونِ بمجموع منْ فيها وفي غيرِها [عُلَماء] (١) تخصيصاً للمزية التي ذكرْناها.

ولأَنَّ مكةَ ممدوحةٌ بكونِها قبلةً للخلقِ، وموضعَ المناسكِ، ومولد رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومبعثهُ، ومولدَ إسماعيلَ، ومنزلَ إبراهيمَ، ولم يدلَّ ذلكَ على أنَّ قولَ أهلِها حجةٌ، بل الاعتبارُ بعلمِ العلماءِ، واجتهادِ المجتهدينَ، سواء كانوا فيها، أو في غيرِها، والذي يوضحُ هذا، وأنَّه عادَ إلى الخصوصينَ مِن أهلِها لخصائصِهم مِن العلمِ، لا لها، ولا لعصمتِها: أنَّ الله سبحانَه اُخبَرَ عن كون المنافقينَ مِن أهلِها، فدلَّ ذلكَ على اُن الحفظَ والعصمةَ والتبجيلَ، عادَ إلى ساكنٍ أو نازلي مخصوصٍ بالعلمِ، والعملِ بِه.

وأمّا قولُهم: إن المدينةَ مجمعُ الصَّحابةِ، ومهبطُ الوحي، وبها قبرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلعمري لكنْ لو جَمَعتِ المجتهدينَ مِن الأُمَّةِ (٢)، لتخصَّصتْ، لكنها جمعت قوماً، وفارقَها قومٌ، على ما حفظوهُ مِن النقلِ، وفقهوهُ مِن المعاني، فلا يجوزُ أن يخرجوا عَنِ اتفاقِ أهلِ الاجتهادِ، واعتبارهم في الوفاق، والاعتداد بخلافهم في الخلافِ، فإنَّ الذي حَظُوا (٣) به فيها لم يزايلهم، ولم ينسلخ عنهم، ولو زال عنهم العلمُ بنسيانٍ أو ذهول معَ مقامِهم بها، لم


(١) طمست في الأصل.
(٢) في الأصل: "الامة".
(٣) في الأصل: "حظيوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>