للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلجامٍ مِن نارٍ" (١)، ولأنَّ الكتْمَ التوقيف، وإظهارُ الفتوى يوهم أنّه رأى فيحمل النّاسَ على الاجتهادِ معَ وجودِ النصِّ، وهذا إفسادٌ لتراتيبِ أدلَّةِ الاجتهادِ، فلا يحلُّ للصَّحابيِّ فعلُ ما يؤذي، فصارَ الظاهرُ أنه أفتى من غيرِ توقيف.

وأمّا تعلُّقُهم بفضيلةِ الصُّحبةِ، ومشاهدةِ التنزيلِ، وقوةِ الاجتهادِ، فذلك لا وجه له؛ لأنّه قد يكون الصحابيُّ دونَ غيره في الاجتهاد والفقه، وإلى هذا أشارَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قالَ: "ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَن هو أفقهُ منْه" (٢)، والقربُ لا يوجب القوَّةَ، بدليلِ أنَّ الأئمَّةَ والأهلَ مِن الصَّحابةِ لا يقدَّمون على مَن دونَهم في الاجتهاد، وإنْ كانَ لَهم رتبةُ استحقاقِ الإمامةِ، بفضائلَ اختصُّوا بها، وقربٍ مِن رسولِ اللهِ، وكانَ يجبُ أنْ يتأخّرَ مَن قلتْ صحبتُه في بابِ الاجتهادِ عمَّن طالتْ صحبتُه، ولمّا لم يجبْ ذلك في طبقاتِ الصُّحبةِ، كذلك لا يجبُ فيما يتعلقُ بمَن بعدَ الصَّحابةِ مِن التابعينَ.

وأمّا قياسهم على صحابيِّ معَه قياسٌ ضعيف، فلا نُسلِّمُه، فإنّه وغيرُه مِن أهلِ الاجتهادِ سواءٌ، والقياسُ مقدَّمٌ عليهِ؛ ولأنَّ الظّاهرَ أنّه إنّما صارَ إلى ذلك القياسِ، فالقياسُ مقدَّم على قياسِه الضَّعيفِ، والرِّجالُ يعتبرونَ (٣)


(١) تقدم تخريجه ص (٢٠٨).
(٢) تقدم تخريجه ١/ ٧.
(٣) في الأصل: "تصرون".

<<  <  ج: ص:  >  >>