بصحَّتِه، فلم يجُز للعالِم تركُ اجتهادِه الذي يثقُ إليه والرجوعُ إلى مَنْ يجوزُ عليه الخطأ، ولايثقُ إلى إصابتِه الحقَّ في اجتهادِه.
وأمَّا قولُهم: إذا جازَ تقليدُ الأمَّة جازَ تقليدُ الواحدِ. فهذا بعيد جداً؛ لأنَّ الأمَّةَ معصومة لاتجتمعُ على خطأ ولاضلالةٍ، بدلائلَ قد سبقت فِى بابِ الإجماع، ولهذا يجبُ تقليدُ الأمَّةِ، ولايجوزُ العملُ باجتهادِه مع إجماع الأمَّةِ، والواحدُ من العلماءِ يجوزُ عليه الخطأ، ويجوزُ الاجتهادُ في حكمِ الحادثةِ، والعدولُ عن حكمِه.
وأمَّا قولُهم: لمًا جازَ الرُّجوعُ إلى خبرِ الواحدِ مع تجويز الخطأ، كذلكَ جازَ الرُّجوعُ إلى العالِم مع تجويزِ الخطأ. فغيرُ لازم؛ لأنَّ خبرَ الواحدِ إذا ظهرَ من غيرِ نكيرٍ، فهو بمنزلةِ قولِ الواحدِ من الصَّحابةِ إذا انتشر من غير خلافٍ عند قوم، وهو عندنا حجةٌ لايجوزُ الاجتهادُ معها، وأعنا على أنَّ الاجتهادَ من العالمِ مع وجودِ عالمٍ يجوزُ، فبانَ الفرقُ بينهما.
فوِزان ما ذُكرَ من الخبرِ. بمسألتِنا، أن يتعارضَ خبران، فلا يكونُ أحدُهما أولى من الآخرِ فِى المصيرِ إليه والعملِ به.
ولأنا لو أوجبنا عليه البحثَ عن الرُّواةِ وجهةِ سماعِهِ حتى يساويَ الراويَ فِى طريقِه، لأدَّى إلى المشقةِ العظيمةِ، وربما تعذرَ ذلك عليه بتعذر الطريقِ بينَه وبينَ الرَّاوي عنه أو موتِه، فسقط عنه ذلك، كما (١ سقط عن العاميِّ الاجتهادُ، وليس كذلك ها هنا، فإنَّ العالمَ لامشقَّة عليه في إدراك الحادثة باجتهاده، والنظر فيها كما نظر المقلد، فلزمه الاجتهاد والنظر.