للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الأصلَ بتعويلكم على النّظرِ، على أنَّه لاعبرةَ بتقلّبِ أهل المذاهب ولا بمقامهم، فكم من ثابت مقيمٍ على باطل، قال الله تعالى إخباراً عن قومٍ أنهم قالوا: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: ٦]، {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: ٢٦]، وكم من قومٍ رجعوا عن طريقِ الحقِّ إلى الباطلِ، فهذا وأمثالُه لاعبرةَ به، وإنما المعوَّلُ على الأدلَّةِ دونَ اعتقاداتِ الرِّجال، وإنما بَنَوْا هذا على تعويلهم على التقليدِ، والأُنسِ بالغير، والوحشةِ من الوحدةِ في الاعتقادِ، والعاقلُ مَنْ لم توحِشْه الوحدةُ، ولم تؤنِسه الكثرةُ، بل ثقَتُهُ بالدليلِ، وضعفه بعدمِ الدليل.

وأمَّا منعُهم من أخذِ حكمِ الغائبِ من الشَّاهدِ، وجعلِ الضَّروري من العلومِ أصلاً للاستدلالي، فإنه مجرَّدُ تحجُّرٍ وتحيُّزٍ بغيرِ دليل، ولأنَّ هذا عينُ النظرِ وحقيقتُه، فكيف (١) يمنعونَ النًظرَ بضربٍ من النًظر؟

ولأنَّ الأدلةَ أبداً تكون حاضرةً شاهدةً، والمدلولات غائبةً، إذ لو كانا شاهدين لم يكن أحدُهما بأوْلى من الآخر، فالغيمُ المُسِفُّ (٢) دلالةٌ (٣ على أنه يكون منه مطر ٣)، وبُدُوُّ العشبِ وابتلالُ الأرض دلالة على غيث كان قد نزل، وتَصاعدُ الدخان دالٌ على أن شيئاً يحترق، وعلى هذا حكم الأدلةِ، فبناء الدار دالٌ على تَقَدَّم وجود بانٍ، وإحكامُها دالٌّ على


(١) في الأصل: "كيف".
(٢) أَسَفتِ السَّحابةُ: إذا دَنَتْ من الأرض. "القاموس": (سفف).
(٣ - ٣) غير واضح تماماً في الأصل، واستدركناه من "العدة" ٤/ ١٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>