ومنها: أَنَّ تعليلَ الشَّرع يَخْتَصُّ بزمانٍ دونَ زمانٍ، فإِذا جازَ أَن تكون الشِّدَّةُ علةً لتحريمٍ عصيرِ العِنَبِ في بعض شريعتِنا، حلالاً في شرع مَن قَبْلَنا وشَطر مِن شريعتِنا، وبمَحَلِّ دونَ محلِّ، فيكونُ الموتُ في السَّلاحفِ مُحرِّماً لها، والموتُ في السَّمكِ والجرادِ غيرَ مُحرِّمٍ لها، لم نَأمَنْ أن تكونَ الشِّدَّةُ مُختصَّةً بعصيرِ العنبِ دونَ غيرِه، كما اخْتصَّت بزمان دونَ زمانٍ، فلا يُقْدَمُ على التَّعديةِ إِلاَّ بِدَلالةٍ.
ومنها: أَن قالوا: إِنَّ هذه الأَوصافَ، مثلُ: الشِّدَّةِ في العَصيرِ، والحلاوةِ في السُّكَّرِ، والموتِ في الحيوانِ، إِنَّما جُعِلَتْ عِلَلاً للمَنْع على سبيلِ المصلحةِ، ولذلك اخْتَصَّتْ بعصيرٍ دونَ عصيرٍ، وإذا كان كذلك، لم يَجُزْ أن نَتَعدَّى بها المَحَلَّ الذي عُرِفَتْ به؛ لأَنَّنا لا نَامَنُ أَن تكونَ المصلحةُ عَدَمَ التعديةِ، والشِّدَّة إِنّما اخْتَصَّتْ بالمحلِّ المخصوصِ كما اخْتَصَّت بالعصيرِ المخصوصِ.
ومنها: أَنَّ هذهِ عِلَلَ الشَّرْع ليست مُوجِبةً بنفسِها (١) بخلافِ العَقْليَّةِ، وإنّما هي مَجعولَةٌ يحَعْلِ جاعلٍ، فإِذا قال: لا تَأكُلُوا السُّكّرَ لحلاوتِه، فقد جَعَلَ حلاوةَ السُّكرِ مَحرِّمةً له، فلا يجوزُ أَن نجعلَ نحن حلاوةَ التَّمْرِ والعسلِ علَّةً في المنع منها، لأنَّها غيرُ مجعولةٍ.
ومنها: أَنه لو وَجَبَ تعديتُها، لوَجَبَ إذا قال القائلُ: عَبْدِي زيدٌ حُرٌّ؛ لأَنه أَسودُ، وله عَبِيدٌ كثيرٌ سودانٌ، أن يُعتَقُوا لِعلَّةِ السَّوادِ.