للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنبّاشِ قياساً على السَّارقِ، والحدِّ على اللأئطِ قياساً على الزاني.

وأَمَّا الكفارة: فلم نُوجبْها قياساً، لكن بطريقِ الأَوْلى؛ فإِنَّ مَأثمَ الأكل أَكثر من مَأثمِ الجِماع؛ لأَنًّ الثوابَ على تركِه، أو مِن حيث كانت المَشقةُ في هِجْرانِه أَوْفَى؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعائشة" ثوابُك على قَدْرِ نَصَبِكِ" (١) فإِذا وَجَبَتِ الكفارة في الجماع، ففي الأَكل أَوْلى.

فيقال: تفريقكم بينَ مكانِ الحدِّ وأَصلِه، وإِيجابِ الكفّار ومكانِها أَيضاً، لا يَتحققُ فَرْقاً يُبْرؤُكم مِن عُهْدَةِ جمعِنا بينهما؛ لأَن (٢) تعليلَكم في نفي إِيجابِ الحدِّ والكَفَّارةِ بالقياسِ: أَنَّ الحدودَ والكفاراتِ لا تعْرَفُ بالقياسِ؛ لأَنَّ مَقاديرَ الرَّدْع والزَّجرِ والعقوباتِ كمقادير المَأثمِ، وذلك لا يَعْلَمه إِلأ الله، وكما لا يُعلَمُ الأَصل، فالمَوضعُ والمكانُ أَيضاً يَجِبُ أَنْ لا يعلَمَ على قودِ قولِهم.

والاستدلالُ بالأَوْلى لا يَتحققُ في حقِّ الرِّدْءِ مع المباشرِ، بل المباشرُ أَشدُّ تأثيراً في الجنايةِ المستوجب بها العقوبةُ إِذا كانت في قَطْع الطريقِ، وفي المَثوبةِ إِذا كَانت في الجهادِ؛ فلا أَولى إذاً.

وأَمَّا دَعواكُم أَنَّ المَأثمَ في الأَكلِ آكدُ، فغيرُ صحيح، لأنَّ هَوالِجَ الطبع في باب الوِقاع والجِماع لا تَضبِطُها المروءات غالباً، وأَيسرُ أَنَفَةٍ وأَدنى تَماسُكٍ يَمنَعُ الأَكلَ والشربَ، وهذا معلوم طبعاً، وأَنَّ النَّاس لايَسْتقبِحون اللهَجَ. بمحبَّةِ الصُّوَرِ، والعِشْقَ، وإِنْشادَ الغَزَلِ والأَشْعارِ، والتظاهرَ بحُبِّ


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢٥٤.
(٢) في الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>