يَصِحُّ أنْ يُرى، وإنه يَقضي ويُقدِّرُ أفعالَ عبادِه خيرَها وشرَّها، وعلي العكسِ مِن جميع ما ذَهَبَتْ إليه الطائفة الأولى.
وإذا ثَبتَ هذا، وعُلِمَ أنَّ اجتماعَ الأمرَينِ في حقِّ اللهِ سبحانه مُحالٌ، أعني: أنَّه لا يجوز أنْ يكونَ عالماً بعِلمٍ لا عالماً بعِلم وأن كلامَه قديم مُحْدَثٌ، وأنّه لا يَصِحُّ أنْ يُرى ويَصحُّ أنْ يرى، وأنّ المخبِرَ بالأمرَينِ عنه سبحانه كان فِى أحدِ خَبرَيهِ كاذباً، وجَبَ أنْ لا يكونَ الحقُّ مجتمعاً (١) في الاثنينِ، وأنْ يكونَ أحدُهما هو المصيبَ حَسَبَ ما تقومُ به دلائل الإصابةِ، وما كانَ ذلك إلا بمثابةِ الاختلافِ بينَ المُسلمينَ الموحِّدينَ، والنصارى، والمجوسِ في التوحيدِ والتثْنيةِ والتثليثِ، لما لم يَجُزْ أنْ يكونَ الله سبحانه إلا واحداً، واستحالَ بدليلِ التمانُع أنْ يكونَ خالقُ الخَلْقِ أثنَين، وأوجبت الدلائلُ كونَه سبحانه واحداً، لا جَرَمَ كانَ مذهبُ التَّثْنيةِ والتثْليثِ باطلاً.
ومنها: أنّ أدلةَ الأُصولِ هي أدلًة عقليةٌ قطعية، ونصوص جلِيَّة، تدلُّ على مُعتقَد مخصوص، وأن ما عداه باطلٌ، والخبر عنه كذِب، وأنَّ ما يَتعلقُ به المخالفُ شبهةٌ تتخيَّل للضعيفِ النظرِ، اْو المُخلدِ إلى التقليدِ والعَصبيَّةِ، كأنَّها مُرشدةٌ وهي مُضِلةٌ، فدعوى التًساوي في الإصابةِ رجوعٌ عن القولِ بأنَّ أدلةَ الأصولِ قاطعةٌ؛ فإنّه لا اشتباهَ مع القطع، وإنما يؤتى المجتهد مِن قِبلِ نفسِه، ومتى صدَقَ نفسَه الاجتهادَ، هَجَمَ بِه على إصابة الحقِّ الذي دعا الله إلى اعتقادِه، ونهى عنِ العُدولِ عنه.