للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أَنهُ إِن جازَ دعوى ذلك، فالثنوِيَّةُ يَدَّعونَ أَنَّهم بَذَلُوا الوُسعَ في إثباتِ الاِثنينِ؛ لِمَا نَعْلَمُ ممَّا أَوْرَدُوه من شُبَهِهم في تَثَنِّي الأَفعالِ إلى خيرٍ وشر، ونَفعِ وضُر، وحَسنٍ وقبيع، وأَنَّ الَحسنَ أَوْجَبَ المدحَ، والقبيحَ أَوْجَبَ الذَّمَّ، والحَسنَ أَوْجَبَ لفاعلِهِ الحِكْمَةَ، والقبيحَ الضارَّ (١) أَوْجَبَ لفاعلِه ضِدَّها، فكان يَجِبُ على قودِ قولِكَ أَن يكون كلُّ واحدةٍ من الطَّائِفتينِ مُصِيباً ومُحِقُّا؛ من حيث بَذل وسعه، فأَدّاهُ اجتهادُه إِلى مقالتِه، فلا يَتحقَّقُ فرقٌ بين أَصلِ التوحيدِ والتثْنيةِ، والصِّفاتِ في (٢) النًفى والإِثباتِ، والقِدَمِ والحدوثِ.

وأَمَّا الثاني، وإِلزامُ الأَحكامِ الفُروعيَّةِ، فلا نُسلِّمُ أَن المُجتهدِينَ المُختلِفينَ على الإصابةِ كُلُّهم، بل الحقُّ في واحدٍ؛ مثل مسألتِنا، وكما لا يَصِحُّ أن يكون القديمُ مُحدَثاً، والمُحدَثُ قديماً عندَ اللهِ، لا يكون الحرامُ حلالاً، والواجبُ نَدْباً، ولو سَلَّمْنا على سبيلِ توسعةِ النَّظرَ، فالفرقُ بينهما ظاهر، وهو أَنَّ الفروعَ ليس عليها أَدِلَّةٌ قاطعةٌ، فلم يَجُزْ ألت يكونَ كُلُّ مجتهدٍ مصيباً.

ولأَنَّ الأَحكامَ يجوزُ أَن يَرِدَ الشَّرعُ بكون العَيْنِ الواحدةِ مُحرَّمةً في وقتٍ، ويَرِدَ بكونِها مباحةً في وقت، أو يَرِدَ بكونِها مُحرَّمةً على شخصٍ، ويَرِدَ بكونِها مباحة في حقِّ شخصٍ، وقد كان ذلك، مثلُ: الإِباحةِ


(١) في الأصل: "المضار".
(٢) في الأصل: "و".

<<  <  ج: ص:  >  >>