للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقْضِى؟ " (١)، فذَكَرَ الكتابَ والسُّنةَ والقِياسَ، ولم يَذْكُرِ الظنَّ.

ولأَنَّ العلماءَ أَجْمعَ لا يَفْزعُونَ عندَ حدوثِ الحادثةِ إِلاَّ إِلى الكتابِ والسُّنَّةِ والقياسِ، فدَلَّ على أَنَّها هي الأَدِلَّةُ دونَ الظنِّ.

ولأَنهُ لو كان الدَّليلُ هو الظَّنَّ، ما صَحَّ أَن يَحْتَجَّ أَحد على أَحدٍ بكتابٍ، ولا سُنةٍ، ولا قياسٍ، لأَنَّ ذلك غيرُ الدَّليلِ، وما ليس بدليلٍ لا يُحْتَجُّ به.

ولأَنه لو كان الدليلُ هو الظَّنَّ، لاستوى العالمُ والعاميُّ في ذلك، لأنَّهما في الظنِّ واحد، ولأنَّ الظنَّ نَتِيجةٌ وثَمَرَةٌ تَحْصُلُ في قلبِ المجتهدِ عن الدَّليلِ، فتُثمرُ الأَماراتُ والدَلائلُ الظنَّ، كما يُثمِرُ النظَرُ والاستدلالُ العِلْمَ، وما كان ثمرةَ الدَّليلِ، فهو (٢) غيرُ الدَّليلِ.

فإِن قيل: لو كان الدَّليلُ على ما ذَكَرْتم، لوَجَبَ إذا نَظرَ الحَنفِيُّ فيما يَنْظرٌ فيه الشافعيُّ والحَنبليّ والمالِكيّ مِنَ الدليلِ، أَن يَقعَ له ما وَقَعَ لهم.

قيل: ليس مِن حيثُ لم يَتَساوَوْا ويَتَّفِقوا في الوقوع لهم، يَدُلُّ على أَنَّ ما نَظرُوا فيه ليس بالدَّليلِ، أَلا تَرَى أَنَّ مسائلَ الأصولِ كلّ واحدٍ من المُختلفِينَ فيها يَنْظرُ فيما نَظر فيه الآخرُ مِن أَدِلةِ العَقْلِ، ولا يَقَعُ لكلِّ واحدٍ ما يَقَعُ للآخرِ، ثم لا يَدُلُّ على أَنَّ المنظورَ فيه ليس بدليلٍ، ولا أَنَّ الظنَّ هو الدليلُ.


(١) تقدم تخريجه ٥١٢.
(٢) في الأصل: "فهي".

<<  <  ج: ص:  >  >>