وإن قَلَّدَ ابنَ عباس مع وجودِ أَبي بكر وعمرَ جاز، فهذا أَفادَ التخيُّرَ.
ومنها: تَعلُّقُهم أَنَّ الصَّحابةَ رضوان الله عليهم اخْتَلَفُوا في مسائلَ كثيرةٍ، وحوادثَ عِدَّةٍ، فلا أَحدَ منهم تَبَرَّأَ مِن مخالفِه، ولا غَلَّظَ القولَ فيه، بل وَلوْا قُضاةً وحُكَّاماً يَعْلَمونَ مخالفتَهم لهم في الأَحكامِ، وتَدافَعُوا الفَتاوَى، وبعضُهم دَلَّ على بعضٍ، وقال: ائت فلاناً، واذْهَبْ إِلى فلانِ، ولو كان يَعتقِدُ أَحدٌ منهم خطأَ غيرِه، وعَدَمَ إِصابتِه، لَمَا دَلَّ عليه، ولَا أَرْشَدَ إِليه؛ فإنَّ الدَّالَّ على المُخطئِ في الرَّايِ مُضلِّلٌ لمَن دَلَّه وعَيَّنَ له، أَوَ لا تَراهُم كيفَ غلَّظُوا على مانِعي الزَّكاةِ، وتَبَرَّؤُوا منهم، وأَظْهَرُوا التبَرُّؤَ مِمَّن خالفَ ما تَضَمَّنَه المصحفُ المُصطَلحُ عليه، وحَرَّقُوا ما سِواه، وَأظهَرُوا التَّبرُّؤَ من الخوارج، وقاتَلُوهم، واسْتَباحُوا دماءَهم، فلو كانوا يَعْتقِدونَ تحريمَ ما أَباحهُ الله، وإِباحةَ ما حَرَّمَه الله، وحِرمانَ مَن أَعطاه الله؛ لأَنْكَرُوا ذلك على مَنْ أَتى ذلك، وأَفْتَى به، فلَمّا تَساكَتُوا على الخِلافِ، ولم يُقنِعْهم (١) ذلك حتى أَقَرُّوا، ودَفَعُوا الفَتاوَى، فأَحالُوا على مَن خالفَهم، عُلِمَ أَنهم حَكَمُوا بتساوي الكلِّ في الإِصابةِ.
والجوابُ: أَنَّ لنا مِن إِجماعِهم أَكْبرَ حُجَّةٍ بحيثُ تُقابِلُ ما ذَكَرْتُم، فتُوقِفُه، أَو تُسقِطُه وتُبطِلُه؛ وذلك أَنهم صَرَّحُوا بتَخطِئَةِ مَنْ خالفَهم بما قَدَّمْنا من الأَقوالِ المُغنِي عن الإِعادةِ، لكنَّا نُشيِرُ إِليه:
فهذا يقولُ: أَلا يَتَّقِي الله زيدٌ! جعلَ ابنَ الابنِ ابناً، ولا يَجْعَلُ أَبا