للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليلُ فَلا تَصُمْ ولا صيامَ عليك، ليس بمزيلٍ لحكم ثبتَ بقوله: صُمْ إلى الليل، فلو أطلقَ الأمرَ بالصيام، أو دل دليل على أن المرادَ بفرض الصيام زَمَنُ الليلِ والنهارِ جميعاً، ووردَ ذلك واستقرَّ، ثم قال له: لا تصمْ فَي الليل، فقد أسْقَطْتُ ذلك عنك، كان نسخاً؛ لأنه قد أزالَ حكماً ثبتَ بالخطاب المتقدمِ مع تراخيه عنه وبَعْدَ ورودِه واستقرارِه.

فهذا هو الحدُّ الذي اخترناه.

وسائرُ المعتزلةِ تأبى هذا الحدً لمخالفتِه أصولَهم، فالدَلالةُ على فساد حدودِهم التي قَدمْنا ذكرَها: أننا إذا كنا قد بَينَا أن النسخَ هو الإِزالةُ؛ وجبَ أن لا يصحَّ تحديدُه إلا بما ذكرناه دونَ جميعِ ما قالوه؛ لأنه يصيرُ تحديدهُ بذلك أجنبياً من معنى النسخ، لأنه إذا قيل: حَدُه الخطابُ الدَالُ على ارتفاعِ حكمِ الخطاب الأوَّلِ، أو الدالُ على انقطاعِ مدةِ العبادةِ (١)، أو الدالُ على سقوط مثلِ ما تضمَنَه الخطابُ الأولُ في المستقبلِ، وأمثالُ ذلك مما هو [في] (٢) معناه، وجبَ أن لا يكون الناسخُ رافعاً ولا مزيلاً لشيءٍ مما ثبتَ بالخطاب الأولِ؛ لأن مثلَ ما ثبتَ به غَيْرُه، ولم يثبتْ قَطُّ بخطابِ أولَ، فيزولَ بالثاني، وليسَ ما أزالَ مِثْل الشيءِ ورَفَعَه مزيلًا لنفسَ الشيءِ، ولو كان مثلُ هذا نسخاً، لكان كلُّ خطابٍ ابْتُدِىءَ به إثبات عبارةٍ نسخاً لحكم خطابٍ آخرَ، وإن لم يكنْ بينهما تنافٍ في الحكم، ولم يكن أحدُهما رافعاً لشيءٍ ثبتَ بالاَخَرِ، وإذا بطَل؛ بطلَ ما قالوه.


(١) في الأصل "العادة".
(٢) زدناها على الأصل؛ لاقتضاء السياق لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>