للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الفِداء، وهو من كبارِ أَحكامِ الدِّينِ؛ لأَنَّه أَمرٌ يَتعَلقُ بالدِّماءِ، ومَصْلحةِ أَكْثرِ عبادِه، وهو الجهادُ.

وأَما قولُهم على آيةِ العَتْبِ: إِنَّه لمكانِ الرِّقَّةِ والرَّاُفَةِ، فذاك أَمرٌ داخلٌ في الاجتهادِ وعِلَّتِه (١)، وإلاَّ فالأَصلُ اسْتِخراجُ الرأْيِ لحكمٍ من أَحكامِ اللهِ، وهو المَنُّ أَو الفِداءُ، فلا يُظَنُّ به أَنه تَرَكَ أَصْلَ الرَّاي، وعَدَلَ إِلى الرِّقَّةِ، بل الرِّقَّةُ داخلةٌ؛ مثل قولِه تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢]، فنهَى عن مُساكنةِ الرِّقَّةِ والرَّافَةِ في إِقامةِ الحدِّ، كذلك هاهنا؛ إِن حَصَلَ العَتْبُ على رَافةٍ ورِقَّةٍ أَوْرَثَتْ تحريفاً في الرايِ، فقد أَجازَ أَصْلَ الرايِ، وعَتِبَ على التقصيرِ فيه، فهذا غايةُ ما يكونُ في الحُجَّةِ لمن أَثْبَت الاجتهادَ.

وأَمَّا أَدِلتنا فيها من جهةِ السُّنَّةِ: فما (٢) رواه الشَّعْبِيُّ قال: كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضي القَضِيَّةَ، ويَنْزِلُ القرآنُ بعدَ ذلك غيرَ ما كان قَضَى، فيَتْرُكُ ما كان قَضَى على حالِه، ويَسْتَقْبِلُ ما يَنْزِلُ به القرآنُ.

فإِن قيلَ: هذا مُرْسلٌ، وخبرُ واحدٍ.

قيلَ: المُرسَلُ حُجَّةٌ، وهو مُؤَكِّدٌ لهذا الرَّايِ، إن لم يَكُنْ مُثْبِتاً لأَصلِه.

على أَنَّ هذه أُصولَ الفقهِ ليس طريقُها القطعَ، وأَينَ أَدِةُ القطع منها، وهي مما لايُفَسَّقُ، ولا يُبَدَّعُ المُخالِفُ فيها؟


(١) في الأصل: "وعليه".
(٢) في الأصل: "ما".

<<  <  ج: ص:  >  >>