للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه منتدبٌ للفتيا، ولقد وقفَ الأواخر مِن علوم الأوائل، وما تَجدَّدَ من الحوادث، على ما كادوا يتزيدونَ بهِ على مَنْ قبلَهم، وللسبق حكمُه من الفضل، والغُلوُّ في تعظيمِ الأوائلِ بحطِّ المتأخرين عن مناصبِهم غيرُ محمودٍ في الشَّرع والعقلِ، والعدلُ إعطاغ كلِّ إنسان منزلتَه، فلا يجوز حطُّ الأواخرِ عن منزلةٍ بلغوها، كما لا يجوز إعطاءُ الأوائل منزلةً لم يبلغوها، والحقُّ أحقُّ أنْ يتبَعَ، وقد رأينا مَنْ تقدَّم، لمَّا بقيَ بعضُهم، فتواترت عليه الحوادثُ، وكثرتِ المسائل، تَقَدَّمَ في الفقهِ تقدماً (١) فاقَ به مَنْ تقدَّمَه فإذا وُجدَ مثلُ ذلك في عصرنا، لم يجز أن يُحرمَ صاحبُه رتبةَ الاجتهادِ؛ لكونِهِ في عصرٍ تأخرَ عن عصرِ السَّلفِ، وهذا سائرُ العلومِ السَّابقُ والتَّالي فيها سواءٌ، إذا كانَ سالكاً طريقَتَه في العلْمِ، وعاملاً عملَهُ، وسادّاً مَسَدَّهُ، ولا يُحرَم الأواخرُ رتبةَ الأوائل، لمكانِ مجردِ التقدُّم.

وأمَّا تعلُّقهم بالفسق، ومخالفة العلم، فلا وجه [له]؛ لأنَّ العَصْرَ لا يخلو من عاملٍ بعلْمِه ونعوذُ بالله أن يُدَّعى أنَّ العصرَ يخلو من عدلٍ، ولئن جازَ دعوى ذلك، وَجَبَ أن يَنسدَّ طريقُ الأخبارِ والشَّهادات، فإنَّ العدالةَ المعتبرةَ في الفتوى، والاجتهادِ الحاصلِ ممن (٢) ينعقدُ به الإجماع، معتبرةٌ لرواةِ الأحاديث التي عليها تنبني أحكام الشَّريعة، وكما لا يجوز أنْ يقالَ: لا عدلَ تثبتُ به الحقوق، ولا تصحُّ به رواية الأخبار، لا يجوز أن يُقال: لا عدلَ مجتهدٌ تحصلُ به الفتوى، وكما أنَّ الشَّرعَ معنيٌّ بأمرِ الحقوقِ،


(١) في الأصل: "بعدما".
(٢) في الأصل: "ميمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>