للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُدْرانهِا، ومستمتعاً (١) بأنواع الاستمتاع بها، عرض له النَّدمُ لتذكرة ونظرٍ أَوْجبَ الندم، وتحقَقَ لَه العزمُ على أَنْ لا يعودَ، فجعلَ يسعى في عَرْصتِها خارجاً، ولرجله ناقلاً، فهل يكون بتحرُّكه فيها آثماً؟

ومثال آخر: دار أو ساحَةٌ فيها جرحى في آخر أرماقِهم، أقدمَ إنسانٌ إلى توسُّطِهم لينظرَ إليهم، فَحَصَلَ على ذواتِهم ساعياً، ثم بلغ إلى جريح متوسِّطٍ، فظلَّ عليه واقفاً، ثمّ عرضَ له الندمُ على حصوله، وعلى ما تقدَّم مِن تنقُّلِه حالَ دخولِه، ووطئِه لواحدٍ منهم بعدَ واحدٍ، وعَزَمَ أنْ لا يعاودَ إلى مثلها، فهل ينفعُه ندمُه في إزالةِ مأثمِ المقامِ على جسدِ ذلك الجريح؟ وما الحيلةُ له؟ وهل يحصل له زوال المأثمِ بالتوبةِ قبلَ الخروم، أو يكونُ على الذنب مُصِرّاً وبه متلبِّساً؟

اختلف الناسُ في ذلك: فقالَ قومٌ من المعتزلةِ وغيرهم من المتكلمين: لا تصحُّ له توبةٌ، وهو على ما تَصرَّفَ وتَحرَّكَ في الدارِ المغصوبةِ، وفي لبْثِه على الجريح، عاصٍ مُصِرٌّ لا توبةَ لَه (٢).

وقالَ قومٌ: بل تصحُّ توبته، ولا تقفُ صحَّتُها على مفارقةِ المكانِ، ولا مَشيه وسَعْيُه في عَرْصةِ الدارِ الغصبِ خارجاً عصياناً (٣) بلْ هو معَ الندمِ


(١) في الأصل: "ومستمتع".
(٢) انظر "البرهان" ١/ ٢٩٨ وما بعدها، و"المنخول" (١٢٦) وما بعدها.
(٣) في الأصل: "عصيان".

<<  <  ج: ص:  >  >>