للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحَسبَ الإمكانِ.

فإن قيلَ: هذا حكمُ الدارِ المغصوبةِ، فما قولُكم في حصولِه في السَّاحةِ المستوعبةِ بالجرحى، إذا حصلَ على واحدٍ منهم، وندمَ، ما الذي يصنعُ؟

قيلَ: لا يجوزُ أنْ ينتقلَ إلى آخرَ قولاً واحداً؛ لأنَّه يحصلُ مبتدئاً بالجنايةِ على ذلك الإنسانِ، كما لو سقطَ مِن غيرِ اختيارِه، فحصلَ سقوطُه على واحدٍ، لم يَجُزْ عنْدَنا جميعاً أنْ ينتقلَ؛ لأنَّ الأوَّلَ أصابَتْهُ محنة لم يكن للساقط عليه فيها صنعٌ، وإذا أراد الانتقال إلى الغيرِ، صارَ مبتدئاً بالجنايةِ، فيقفُ مُتندِّماً (١) مُتمنِّياً أنْ يُخلَقَ له جناحانِ يطيرُ بهما، أو يَتدلَّى لهُ حبلٌ يَتشبَّثُ به، فإذا علمَ الله منه ذلك، كانَ ذلك غايةَ جهدِهِ، وصارَ بعدَ ندمِه كحجرٍ أَوْقعَه الله على ذلك الجريح، وقد قالَ الفقهاءُ مثلَ ذلك فيمن كانَ في مركبٍ، فرماهُ أهلُ الحربِ بالنَّارِ، فإن علمَ بأنه ينجو بإسقاطِ نفسِه إلى البحرِ، أو غلبَ على ظنِّه السَّلامةُ بذلك، وجبَ عليه الرَّميُ بنفسِه ليقيَها من العطبِ، وإنْ غلبَ على ظنِّه السَّلامةُ معَ المقامِ في المركبِ بتلافي النارِ وإطفائِها، حَرُمَ عليه طرحُ نفسِه في البحرِ، وإنْ تساوى الأمرانِ في تجويزِ السّلامةِ، تخيَّرَ، وإنْ تساوى الأمرانِ في تحقّقِ الهلاكِ، وقف ولم يَتحرَّكْ، حتى لا يكونَ شارعاً في إهلاكِ نفسِه، فلأن يموتَ مغلوباً على هلاكِ نفسِه، وليسَ ذلك فِعْلَه، أَوْلى مِنْ أنْ يشرعَ في فعلٍ يكونُ فيهِ وبِه مساعداً على هلاكِ نفسِه.


(١) في الأصل: "مبتدباً".

<<  <  ج: ص:  >  >>