للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أنّ القائلينَ بالإحماع اتفقوا على عصمتهِ عنِ الخطأِ، والإجماعِ ليسَ بأكثرَ منْ قولِ المجتهدينَ منْ أمتِه - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كانتْ أمتُه معصومةَ عنِ الخطأِ، لم يجزْ أن يكونَ هو مجوَّزاً عليهِ الخطأُ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن تُعطى أمته رتبةً فوفَ إصابةِ الحقِّ لم يعطَها هو، كما لا يجوز تميزُ أمتِه عليه في بابِ الخيرِ والعصمة (١).

فيقالُ: إنما ثبتَ الأَوْلى (٢) بعدَ صحةِ أصلِ المأخذِ منَ الذي يمنعُ أنْ يكونَ لأمتِه نوع ميزةٍ، وقدْ أصابَ عمرُ في رأيٍ بيَّنَ الوحيُ خطأَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنْ تابعَه فيهِ، وهو ما تقدّمَ مِن المفاداةِ، ووافقَ ربَّه في أشياءَ أشارَ بها، ولم يكن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سبقَ إليها، والخضرُ أصابَ في التأويلِ لأمرِ اللهِ وما طويَ في تلك الأفعالِ مِن المصالح، وأنكرَها موسى عليه السلام، والخَضِرُ تابعٌ، ورجلٌ منْ آحادِ أمةِ موسى، فهذا بابٌ لا يتحقَّقُ فيه أصلُ القاعدةِ فضلاً عنِ الأَوْلى.

على أنَّ الأمةَ بعدَ موتِ نبيِّها - صلى الله عليه وسلم - لوْ جُوِّزَ عليها الخطأُ، ولم تعصمْ عنه، لم يحصلِ الاستدراكُ لذلك الخطأِ، واستمرَّ على الحوادثِ، ولم يَكُنْ للناسِ مَن يبيِّن لهم؛ ليرفعوا عنْ خطأِهم، وليسَ كذلك النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنّه إذا أخطأَ، نبَّهه الوحيُ، وأوجبَ عليه الاستدراكَ، فلمْ يستمرَّ الخطأ، فبانَ الفرقُ بينَه وبينَ أمتِه في هذا.


(١) زاد في الأصل هنا: "عليه"، ولا داعي لها.
(٢) في الأصل: "الأول".

<<  <  ج: ص:  >  >>