[حديثٍ]، حتى إنّه تردَّد في الحافظ لأربع مئةِ ألفِ حديثٍ، وهذا محمولٌ على أنّه يكونُ قدْ أنسَ بالأحاديث التي تدورُ عليها الأحكامُ، وإلاّ فالحفظُ للأخبارِ بغيرِ فقهٍ، كالحفظِ للقرآنِ بغيرِ معرفةِ الآياتِ المحكماتِ، ولوْ حفظَ الآياتِ المحكمةَ التي تتضمّنُ أحكامَ العباداتِ والمعاملاتِ والأنكحةِ والجناياتِ، لكفاهُ ذلك عنْ حفظِ المواعظِ والقصصِ وما لا حكمَ فيهِ، ورويَ عنْه أيضاً: أنه [قال]: استفتاءُ أصحابِ الحديثِ أولى منَ استفتاء أهلِ الرأيِ، وهذا يحملُ على مَنْ جمعَ بينَ الأحاديث والفقهِ، وإلاَّ فالمُحدِّثُ الذي لا فقهَ لَه، كالحافظِ للكتابِ الذي لا يفقهُ معانيَ الكتابِ، ولا يعرفُ أحكامَه.
[و] مَنْ حفظ أحكامَ الفقهِ، وما أكملَ المعرفةَ بأصولِ الدينِ، فهو عاميٌّ، لا يجوزُ أنْ يُستفتى، بلْ حكمُه أنْ يَسْتفتيَ عالماً، ولسنا نريدُ أنْ يكونَ في الأصولِ كآحادِ المتكلمينَ، لكنْ ما لا يسعُ جهلُه، وإنْ لم يُدَقِّقْ في الحقائقِ، ويُمْعِنْ في الدقائقِ منَ الكلامِ، وهذا ممّا لا يجهلُه أحدٌ منْ أئمةِ الفقهاءِ.
ويجبُ أنْ يكونَ قدِ اطَّلعَ منَ السِّيرةِ في عصرِ الصَّحابةِ والتابعينَ ما يعرفُ بِه ما أجمعوا عليهِ مما (١) اختلفوا فيهِ، والمحاوراتِ الفقهيةَ، فذلكَ أصل أيضاً، فإنّ بعضَ النّاسِ يجعلُ قولَهم حُجَّةً، وبعضُهم يجعلُ ما اشتهر من فتاويهم معَ سكوتِ الباقينَ وعدمِ نكيرِهم إجماعاً، فذلك منْ بعضِ الأدلَّةِ الشَّرعيةِ التي لا غنى للفقيهِ عن الإحاطةِ بها.