للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليكونَ ١) ذلك داعيةً إلى الاستجابةِ لَهم، كذلك ورثةُ الأنبياءِ -وهمُ العلماءُ- يجب أنْ يتخلًقوا بأخلاقِهم؛ ليستتبعوا في أحكامِ الحوادثِ العوامَّ، كما إستتبَعَ الأنبياءُ عليهم السلام الأممَ في أصلِ ما دعوا إليه منَ الإسلامِ، ولأنَّ المفتي مخبر عنِ اللهِ، فإذا كانت عليه سكينةٌ ووقارٌ وحِلمٌ، كانَ ذلك منْه تعظيماً للخبرِ والمُخبَرِ عنْه، وإذا كانَ فيه خَرَقٌ وتَبذّلٌ وهَزْلٌ، لم يثقِ النّاسُ إلى خبرِه كلَّ الثقةِ، وقالوا في نفوسِهم: لوْ كانَ ما يدعونا إليه على علمٍ منه، لسبقَ إليه، ولفاضَ ذلك على أبعاضِه وأطرافِه.

وأمّا قولُه: يكونُ قوياً، فإنّما يعني به: قوياً في العلمِ، ويأوي إلى ثقةٍ بالدلالةِ التي أسندَ إليها فتواه، كما قال سبحانهَ: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢]، يعني: بفهمٍ وعلم لما (٢) يفهمُ، ويقين لما يسمعُ، وقالَ لموسى عليه السلامُ في التوراةِ: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: ١٤٥]، ومتى لم يكُ كذلك؛ كانَ مخمِّناً أو حادساً، والضعف ميزةُ التقليدِ، والقوةُ ميزة الأخذِ بالدليلِ.

وأمّا قولُه: الكفايةُ وإلاّ مضَغه النّاسُ، فيريدُ بذلك: المعيشةَ، و [أَن] لا يمنعَه التفقهُ منَ التكسبِ، فإنَّ المنتدبَ للعلمِ متى لم تكنْ له جهةٌ يرتفقُ بها، نسبَه النّاسُ إلى التكسبِ بالعلمِ، وأخذِ العوضِ عليه، فسقطَ قولُه إذا تكلمَ الناسُ فيهِ، ولهذا حمى الله أنبياءَه عنْ أخذِ أموالِ النّاسِ، بلْ لم يَنصبْ نبياً للبلاغ عنْه إلاّ ولَه حرفةٌ بينَ خياطةٍ، وقصارةٍ، ونجارةٍ، ورعي


(١ - ١) في الأصل: "وقار معتبر ليكن".
(٢) فى الأصل: "بما".

<<  <  ج: ص:  >  >>