للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا جاءَ النسخُ لقبلةِ بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ، كانَ النسخُ رافعاً للحكمِ في المستقبلِ عَنِ استقبالِ بيتِ المقدسِ فيهِ، وكانَ بياناً لزمانِ الاستقبالِ، كما إذا وردَ لفظُ العمومِ بحكم في أعيان، كقتل المشركينَ، وقتلِ المرتدينَ، ثم جاءَ النهيُ عَن قتلِ أهلِ الكتابِ إذا بذلوا الجزيةَ، وقَتْلِ النساءِ والصبيانِ، خرجوا من العمومِ، وزالَ الحكمُ في حقِّهم، وبانَ المرادُ منَ الأعيانِ المقتولينَ.

فتحقق المعنى فيهما واحدٌ (١)؛ هذا تخصيصُ أعيان، وهذا تخصيصٌ لزمان، وهذا بيانٌ لمدةِ التعبدِ باستقبالِ القبلةِ الأُولى، وإزالة التعبد في المستقبلِ باستقبالِها، وكذلكَ تحريمُ الخمرِ وإباحتُها، وإلى أمثالِ ذلكَ.

فأمّا افتراقُهما في غيرِ الحقيقةِ، فإنَّ النسخَ بدليلِ العقلِ لايجوزُ، ويجوزُ التخصيصُ بدليلِ العقلِ، ولايجوزُ النسخُ بهِ، وإنَّما كانَ كذلكَ، لأَنَّ دليلَ العقلِ يعملُ في قولِه: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢]، وإخراج صفاتِه سبحانَه، وقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٥] تعمل فيهِ دلالةُ العقلِ؛ بأنها ما دمَّرتْ هوداً ولا قومَه ممَّن آمنَ بِهِ، وكانَ ذلك لدليلِ العقلِ المانع منْ كونِ (٢) صفاتِهِ اللازمة محدثةً، لما منعَ العقلُ منْهُ؛ منْ خلوِّه سبحانه مِن علمٍ وقدرةٍ وحياةٍ، ومنعَ منْ إرسالِ الريح مهلكةً لمَنْ خالفَهُ، ثُمَّ يهلكُ بها مَنْ تابَعَه، فلا يكونُ ذلكَ هدىً، بلْ تضليلاً وإعداماً للثقةِ بالرُّسلِ،


(١) في الأصل: "واحدا".
(٢) في الأصل: "كونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>