للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال بعضُ أصحابِنا: إذا تَلَقَتْه الأُمَةُ بالقَبول، صارَ كالمتواتِر في إثبات الصِّفاتِ، وليس بصحيح (١)؛ لأن التَّلَقِّيَ بالقَبول قد يقعُ لحُسْن الظن في الرَاوي، أو لعدم العلمِ بما يوجبُ رَدَه، أو لأنه غيرُ مقطوعٍ بكذبه، ولا هو مما ينافي ما يجبُ للقديم؛ لكونه محتمِلاً للتأويل وصَرْفه عن ظاهره بدليل العقلِ النَّافي لِمَا لا يليقُ بالقديم، وبالنصوص النَّافيةِ للتَشبيه، فلا يقعُ من المتلقَّى بالقَبول (٢) ما يتحصَلُ من تواتر الروايةِ؛ فلذلك ثبتَ بالتواتر القراَنُ بإجماع الصَحابةِ، وردّوا بإجماعهم ما انفردَ به ابنُ مسعودٍ، فصفاتُ اللهِ لا تَدْنُوا عن رُتْبَة القرآنِ؛ لأنه صفة لله سبحانه، فصارَ ردُّهم لخبر الواحدِ فيما طريقُه الكلامُ بإجماعِهم دَلاَلَةً على أنه لا يجوز قَبولُ خبر الواحدِ إلا في الإضافة إلى الله، فأمَّا على أن المذكورَ صفة لله فلا (٣)، وليس كلُّ مضافٍ إلى الله صفة لله (٤)؛ بدليل الرُّوح المضافةِ إليه في حَق آدمَ


= به، وإنما يقبل به فيما لا يقطع به؛ مما يجوز التعبد به كالأحكام التي تقدم ذكرنا لها، وما أشبهها مما لم نذكره.
(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا كان جمهورأهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملاً به، أنه يوجب العلم، وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك ... كالباقلاني والجويني وابن عقيل وابن الجوزي والآمدي". انظر "مقدمة في أصول التفسير": ٦٧ - ٦٨.
(٢) في الأصل: "القول".
(٣) هذا على قاعدة من يرد خبر الواحد في باب الأسماء والصفات؛ لأنه لا يفيد العلم. والصواب: أن خبر الواحد إذا صَحَّ فإنه يفيد العلم، وخاصة إذا احتفَّ بالقرائن، ويصح الاستدلال به على ثبوت الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى.
(٤) الأصل أن ما أضيف إلى الله صفة له، إلا إذا علم أنه عين قائمة بنفسها أو متعلق بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>