للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأخذَ باجتهاد نفسِه، أم يرجعَ إلى مجتهد غيرهِ (١)؟

يحتملُ أن لا يُقَلدَ؛ ولهذا قلنا: إن الإِجماعَ ينعقدُ بغيره، ولا يَنْخَرِمُ بمخالفته، فألزمونا أخْذَه في الأحكام برأي نفسِه، وأنه لا يجوزُ مخالفةُ رأيه في حقِّ نفسِه برأي الجماعةِ، فسلَّمْناه، ولهذا نقول في القِبْلة: لاَ يَرْجِعُ إليه غيرُه، ولا يرجعُ إلى قول غيرهِ، إذا كان فاسقاً.

فصل

وحكمُ العامِّيِّ في جميع الأحْكام الشَّرعيَّةِ حكمُ العالمِ فيما لا يجدُ عليه دليلاً قطعياً كنصِّ كتابٍ أو سُنَةٍ متواترةٍ، فإنه يجوزُ له الأخْذُ بخَبَر الواحدِ المظنونِ في نفسه، المظنونِ به الحكمُ الذي وَرَدَ به، كذلك العاميُ لَمَّا لم يكنْ له طريقٌ إلى معرفة الحكم، صارَ فَرْضُه الرجوعَ إلى قول المفتي العالمِ العَدْلِ، الذي يَغْلِبُ على الظَّنِّ صدقُه، وإصابتُه فيما أَفْتى به.

فإن قيل: العالمُ يرجعُ إلى دليل قطعيٍّ يُوجبُ عنده الأخذَ بأخبار الآحادِ، والقياسِ، وغير ذلك من الأدلةِ المظنونةِ، والعامى لا علمَ عندَه قطعي في تقليده للعالم.

قيل: لا فَرْقَ بينهما، فإن العاميَ قد ثبتَ عنده من طريق مقطوعٍ به أنه مأمورٌ بالرجوع فيما يَنُوبُه إلى عالم بالحكم، والأخذِ بفتواه، وهو إجماعُ الصَّحابةِ على سماع الأسئلةِ من البادِيَة ومَنْ لا فقهَ له والجواب لهم عمَّا سأَلُوا، ولا أحدَ منهم امتنعَ من ذلك، وهذا طريقُ علمٍ لا ظَن، إذ لم يكنْ جميعُ الصحابةِ فقهاءَ.


(١) انظر: "صفة الفتوى" ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>