به من حيث أُوجبُ صِحَّتَه؛ فاجمَعْهما في التَّصحيحِ أو في الإِفساد، وإلا فَافْرُقْ بينَهما، مثلَ قولِك في المعلوفةِ: إن لها مؤنةً لا تحتملُ معها المساواةَ (١)، فيقالُ لك: فاطردِ العلَّةَ في كلِّ مال تحتاجُ تنميته إلى مُؤنةٍ، كمال التجارةِ والزَرعِ المسْقى بالكُلَفِ.
فإن قال قائل: كيف لم تُلحِقِ الضَرْبَ الثالثَ بالضَّربين الأولَين وتجعلْه استفهاماً مجرَّداً؛ إذ كان المطالبُ بالدَليل على المذهب كالمطالب بوجه دَلالتِه عليه؟
قلنا له: لِمَا وصفنا قبلُ، وهو أن أبوابَ الإِفسادِ، ووجوهَ الكسرِ لا تنفتحُ، ولا يرومُها السائلُ إلا بالضَرب الثالث وما بعده، وإنما قَدَّمَ الضَّربين الأَوَلَيْنِ لحاجتِه إلى معرفة ما يريد كسرَه قبل رَوْمِ كسرِه والقصدِ إليه.
ووجهٌ آخر: وهو أنك لا تقولُ: هلَّا قلت: كذا وكذا، أو لِمَ لم تَقُلْ: كذا وكذا؟ إلا وأنت في الضَرْب الثالثِ، وفي الضَّربِ الرابعِ، وبهذا الجنس من السؤال يَقصِدُ السَائلُ إلى كسر المذهب، فأمَّا الأوَّلان فهما المَسالةُ عن الماهية، لتعرفَ الماهيةَ، ثم تقصدُ إلىَ الطعن فيها، وهما كقولك: ما في يديك؟ ومن رأيتَ من القوم؟ وما قال لك فلان؟ وهذا كلّه استفهام مُجرَّدٌ، فإذا تحقَقَ السؤال عن الماهيَّة، انْبَنى عليه الاستفهامُ عن الحجَّةِ، فإذا شرَعَ المسؤولُ في بيان الحجةِ جاءَ سؤال الكسرِ عليها، لأنك لا تقولُ: لِمَ لم تعتقدْ كذا وكذا؟ ولِمَ لم تستدلَّ بكذا؟ وأنت متعرِّفٌ لماهيَّة المذهبِ والبرهانِ.
(١) كتت في الأصل: "المواساة"، ويغلب على ظننا أنها كما أثبتنا.