للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قال السائلُ: لِمَ كان الذمُّ لا يُستحق إلا على فعل أوكسب؟ فقال المجيبُ: لأن الذمَّ لا يستحقُّه إلا مسيءٌ. لم يَحْسُنْ بالسائل أن يقولَ: ولِمَ كان الذمُّ لا يَستحقُه إلا مسىءٌ؟ لأن هذا مما لا يُخالَفُ فيه في قضايا الشرائعِ والعقولِ، ولكنْ له أن يقولَ: ولِمَ إذا كان الذمُّ لا يقتضيه إلا مسيء، لا يُستحق إلا على كسب أو فعل؟ فإن قال المجيبُ: لأنه لو لم يَستحقه المسيءُ على فعلٍ، لم يَصِرْ (١) مستحِقاً له بعد أن لم يكنْ مستحِقاً، بل كان يجبُ أن يبقى على ماكان من حكم الأصلِ، وهو نَفْيُ استحقاقِ الذَّمِّ.

فليس للسائل أن يقولَ: ولِمَ إذا لم يَتغيرْ أمر، وجبَ أن يكونَ على ما كان؟ لأن الذي يقتضيه العقلُ في الأصل البراءةَ من كلِّ عقوبةٍ، والذمُّ نوعُ عقوبةٍ يقابَلُ بها المسيءُ.

ومثالُه من مسائل الفقهِ: أن يقولَ السائلُ الحنفي للمسؤول الشافعى أو الحنبليِّ- في إحدى الروايتين-: لِمَ وجبتِ المماثلةُ في القِصاص (٢)؛ فيقولُ: لأنه مقابلةٌ ومكافأةٌ ومجازاةٌ، فيقولُ الحنفى: ولِمَ


(١) في الأصل: "يصير".
(٢) لا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف عند الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
وقال مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: يقتص من القاتل على الصفة التي قَتَلَ بها، فمن قتل بمثَقَّلٍ كحجروغيره، قُتِلَ به، ومن قَتلَ تجويعاً أو تغريقاً أو نحوه، قتِلَ كذلك.
وهذا في الجملة، وإلا فإنهم قد استثنوا بعض الحالات التي لا تجوز فيها المماثلة؛ لأنها محرمة في ذاتها، فيتحين فيها السيف، ما إذا أوْجَر =

<<  <  ج: ص:  >  >>