للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بَينْتُ لك الفرقَ بين معنيين تحتاجُ الى تمييزِهما، وعلم الفرقِ بينهما، وهو معنىً يُحضِرُ معنى آخَر، ولا يشهدُ أنه حق أوَ باطلٌ، فاعرف ما بَينْتُ لكَ مما تحتاجُ إلى علمِه وصحةِ تمييزِه في المعاني، ثم أَجْرِ (١) العبارةَ على العادةِ فيها، ولا تتعدَّ بها مواضعَها بما لايحسُنُ منها.

ومما يُوضَحُ لك الفرقَ في الاستعمالِ: أن إشارة الهادي إلى الطريقِ دلالةٌ عليه، وليس بحجةٍ، وكذلك النَّجمُ والرِّيحُ دلالةٌ على القبلة، وتغيُّرُ (٢) الماءِ، أو تحرُكُه، أو آثارُ الماشي النَجِسِ الشَارب منه إليه، دَلالة على نجاستِه عند اشتباهِ الأواني، وليس بحجةٍ، والَاسمُ دلالةٌ على المسَمَّى وعَلَمٌ عليه، وليس بحجةٍ، والصِّفةُ مثلُ الشِّدَّةِ دلالةٌ على الموصوفِ، وليس بحجةٍ.

والفرقُ بين الحجةِ والدَّلالةِ؛ كالفرق بين دَلالةِ البرهانِ وبين دَلالةِ الكلامِ، وكلُّ حجةٍ فإنها لا بُدَّ من أن تُحضِرَ معنىً، إلا أن إحضارَها إنما هو للشهادةِ بالنتيجةِ عنها، فهي تُشارِكُ الدلالةَ من جهة الإِحضارِ للمعنى، وتنفردُ بالشهادةِ لغير المعنى الذي هي دالَّةٌ عليه بمنزلة العبارةِ عنه.

فكلُّ حجةٍ دَلالةٌ من حيث تُحضِرُ معنى الشهادةِ، ومن حيث هي بمنزلةِ النَّاطقةِ في النتيجةِ أنها صادقةٌ، وليس كل دَلالةٍ حجةً؛ لأنها قد تخلو من الشهادةِ بمعنىً سوى المعنى الذي تحتها بمنزلةِ العبارةِ.


(١) كتبها الناسخ: "إجراء"، والصحيح ما كتبناه.
(٢) في الأصل: "تغيير"، وما أثبتناه هو الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>