أنه يصحُّ أن يوجدَ حقَّاً بعد أن كان لا يصحُّ، وكذلك الحمدُ والذمُّ والثوابُ والعقابُ، يصحُّ أن يوجدَ كلُّ واحدٍ منهما مستحقاً -عند من قال باستحقاقِه-؛ من أجلِ علَّةٍ كان صارَ بها على ذلك.
وأما المتحرِّكُ فمعلول بالحركةِ من أجل حدوثِها فيه، والعالِمُ معلولٌ كونَه عالمِاً بالعلمِ واجباً كان أو جائزاً.
والمعتزلةُ تقولُ: إن كونَ العالِمِ في الشَاهدِ معلولٌ بالعلم؛ لكونِه عَلِمَ مع جوازِ أن لا يعلمَ، فاحتاجَ إلى معنىً يكونُ به عالماً، وفي الغائب علِمَ مع وجوب أن يَعلمَ، فلم يفتقرْ إلى معنىً يكونُ به عالماً، كماَ أنه لَمَّا وُجِدَ الَحادثُ مع جوازِ أن لا يَحدثَ، افتقرَ إلى محدِثٍ يُحدِثُه، والقديمُ سبحانه لما وُجِدَ مع وجوبِ أن يُوجدَ، لم يَحْتَجْ إلى معنىً يُخصِّصُه بالوجودِ.
وأهلُ السُّنةِ يُعلِّلون الواجباتِ بعللٍ واجبةٍ، ويقولون: إن الموجِبَ لكونِ العالم عالماً هو العلمُ، فلو كانت الذاتُ موجبةً كونَها عالمةً، لكانت علماً؛ لأن الموجِبَ لكونِ العالِم عالماً إنما هو العلمُ، ولو جازَ أن يكونَ في الغائب ذاتٌ توجبُ كونَ العالمِ عالماً وليست عِلماً، لكان في الغائب مَا يوجبُ كونَ المتحرِّكِ متحرِّكاً وليس بحركةٍ، والكلامُ في ذلكَ على الاستقصاءِ لا يليقُ بهذا الكتابِ.
وأما العالِمُ الذي صارَ عالماً بعد أن لم يكنْ عالماً، وجدَ نفسَه على خلافِ ما كان عليه، فمعلولٌ بالعلمِ الذي وُجِدَ له بإجماعَ أهلِ السنةِ وأهلِ الاعتزالِ، إلا أنه معلول بما وُجِدَ في بعضه؛ لأن العلمَ في مَحَلٍّ منه.