للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علَّةٍ إلا بالمعلولِ، فكما أن المعلولَ لا بُد له من علَّةٍ، فلا بُدَّ للعلَّةِ من معلولٍ وفى استحقاقِ اسمِ العلَّةِ.

وقولُ الفقهاءِ: إن علَّةَ الحكمِ مجعولةٌ، والعلَّةَ العقليَّةَ موجِبةٌ بنفسها لا بِجعْلِ جاعلٍ، كلامٌ فيه نوعٌ من السهوِ، فإن العلَّتين مجعولةٌ مفعولةٌ، وذلك أن الذي أوجدَ الحركةَ في المحلِّ هو الذي جعلَه متحركاً بها، والذي أوجدَ الحياةَ في المحل هو الذي جعلَه حياً بها، كما أن الذي وضعَ الشَدَّةَ، وجعلَها في المحلِّ، هو الذي جعلَه محرماً، وموجباً للحد بشُرْبِه بها ولأجلِها.

فالعللُ كلُها مجعولةٌ، ومعلولاتُها مفعولةٌ في الحقيقة ومجعولةٌ، ولا شيءَ أوجدَ شيئاً، ولا جدَّدَه سوى اللهِ سبحانه.

وبهذا (١) يتحقَّقُ التوحيدُ في الفعل والِإيجادِ، وإنما نضيفُ المعلولَ إلى العلَّةِ حكماً وذاتاً إضافةَ ما يكونُ عند الشيءِ لا عنه، خِلافاً لأهل الطَّبعِ والتَّوليد، القائلين بإضافةِ الخَلْقِ إلى الفاعلين.

فأمَّا القدرةُ فليست بعلةٍ للفعل؛ لأنها مُصَحِّحَةٌ، فكانت إلى الشرطِ أقربَ منها إلى العلَّةِ الموجبة، والقدرُة لا توجبُ المقدورَ، بخلاف العلَّةِ التي توجبُ المعلولَ.

فإن قيل: ليس يَتحقَقُ عندكم الفرقُ بين العلَّةِ والشرطِ والقدرةِ؛ إذ كان اللهُ سبحانه هو الموجِدَ للمقدورِ والمعلولِ والعلَّةِ والقدرةِ، وأصلكم على، هذا في الري والشِّبَعِ، وأنهما يوجَدان عَقيبَ الأكلِ والشربِ بفعل الله، لا عن الماءِ والطعامِ، ولا متولدين عنهما، وكذلك


(١) في الأصل: "ولهذه".

<<  <  ج: ص:  >  >>